د. عبدالواحد الحميد
ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالسخرية حين نشرت إحدى الصحف خبراً في صفحتها الأولى بعنوان «توصية في الشورى بإطلاق أسماء أعضائه على الشوارع»، وهو خبر لافتٌ حقاً، لكنه غير دقيق، كما يحدث أحياناً في العناوين التي يحاول المحررون صياغتها بطريقة تجذب القارئ حين تختزل المضمون بشكل منقوص.
فالحقيقة أن التوصية كانت، حسب تفاصيل الخبر في الجريدة نفسها، تدعو إلى تسمية الشوارع بأسماء الأعلام من المسؤولين والعلماء والمثقفين والأدباء والإعلاميين الذين قدموا خدمة جليلة لبلادهم، ومِنْ هؤلاء: أشخاص يحملون مرتبة وزير أو المرتبة الممتازة أو عضوية هيئة كبار العلماء أو مجلس الشورى أو غيرهم.
وتفتح هذه التوصية باب النقاش مجدداً حول الأسماء الغريبة لبعض الشوارع في المدن السعودية في حين تغيب أسماء أعلام أفذاذ من المواطنين الذين خدموا وطنهم في شتى المجالات. فمن الملاحظ أن بعض الشوارع تحمل أسماء شخصيات مغمورة لم ترد إلا في كتب التراث القديمة وأحياناً في أبواب الطرائف والفكاهة وبعضها لم يكن له إسهامات تذكر!. وقد استشهد عضو مجلس الشورى الدكتور عبدالله الفيفي باسم شارع في إحدى مدننا السعودية، وهو شارع ابن الدجاجي، رجلٌ «فقيه وواعظ صوفي مغمور، وله شعر وأدب ضعيف ومن رجال القرن السادس الهجري»، لم يكن يعرفه الدكتور الفيفي نفسه وهو الأستاذ الجامعي المتخصص في التراث العربي وفي النقد والأدب العربي!.
والغريب أن مَنْ استل اسم هذا الشاعر المغمور من أعماق كتب التاريخ وأطلقه على أحد شوارع جدة بخل بتكريم الآلاف من شعراء وأعلام الوطن ممن استحقوا ويستحقون التكريم بأن تطلق أسماؤهم على الشوارع بدلاً من أسماء شخصيات تاريخية مغمورة فكأنما كُتب علينا أن نعيش في زمن غيرنا وألاَّ نعيش في زمننا!.
أما الملاحظة الأخرى فهي أن هناك شوارع تحمل أسماء أشخاص معاصرين، ولكن ليس لهم أهمية كبيرة بالمقارنة مع أسماء كبيرة ومهمة من رجالات الوطن ممن تجاهلتهم أمانات وبلديات المدن والمحافظات.. فهل إن أسماء الشوارع توزع على الناس بـ»الواسطة» مثلاً!؟.
ما أكثر الأعلام، من النساء والرجال، مِمَّن خدموا وطنهم في مختلف الحقول والمجالات، وليس بالضرورة أن يكونوا من كبار المسؤولين أو أعضاء مجلس الشورى، كما يوحي العنوان الصحفي الذي استخدمته الجريدة، لكنهم قطعاً أحق من شاعر مغمور يدعى ابن الدجاجي. فلعل أمانات المدن والبلديات واللجان المسؤولة عن تسمية الشوارع تنتبه إلى ذلك.