د. عبدالواحد الحميد
النقاش الذي يدور في مجلس الشورى حول الأوضاع المعيشية للمواطنين المتقاعدين يسلط الضوء على مشكلة معقدة لا تتعلق بالمتقاعدين وحدهم وإنما أيضا بالمؤسسات التقاعدية: المؤسسة العامة للتقاعد، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية.
فالأرقام التي وردت في «تقرير جمعية المتقاعدين»، وهو التقرير الذي استشهدت به اللجنة الخاصة في مجلس الشورى التي كُلفت بدراسة مقترح تعديل أنظمة التقاعد، تؤكد بأن الاستحقاقات الشهرية لسبعين بالمائة من المتقاعدين لا تتجاوز ألفي ريال وأن أربعاً وأربعين بالمائة من المتقاعدين لا يملكون مسكناً. وهذا الوضع بحاجة إلى معالجة ويصعب تصور استمراره، ولهذا تطلب اللجنة إيجاد علاوة سنوية لمعاشات المتقاعدين لمواكبة غلاء الأسعار.
وفي نفس الوقت، من الواضح أن المؤسسات التقاعدية لا تستطيع أن تصرف معاشات للمتقاعدين بما يتجاوز إمكاناتها وإلا سوف تتعرض للإفلاس، وتلك كارثة كبرى! وقد استعانت هذه المؤسسات بدراسات إكتوارية تثبت أن الوضع سيكون حرجاً مع التزايد النسبي لأعداد المتقاعدين والانحسار النسبي للمشتركين في أنظمة التقاعد بسبب التغيرات في الهرم السكاني للسعوديين.
لابد أن نتفهم أوضاع مؤسسات التقاعد، لكن ما لا يقل أهمية عن ذلك هو معالجة الأوضاع المعيشية لبعض فئات المتقاعدين. فالمتقاعدون الذين تقدمت بهم السن ولم يعد للكثيرين منهم مداخيل مالية سوى معاشاتهم التقاعدية الضئيلة في الوقت الذي تتزايد حاجتهم للرعاية الصحية وتتعاظم أمامهم تكاليف المعيشة بسبب الازدياد المضطرد لأسعار السلع والخدمات هم بأمس الحاجة لمعالجة أوضاعهم.
إن هذا المأزق لا يمكن حله إلا بتدخل الدولة عن طريق إيجاد برامج خاصة للمتقاعدين الذين تقل مداخيلهم عن تلبية احتياجاتهم المعيشية. وهذا يتطلب أن تحظى هذه الفئة من المتقاعدين بمساعدة مالية مناسبة وأن تُصمَّم برامج لتقديم الرعاية الصحية للمحتاجين منهم، فمن المعروف أن الكثير من المرضى المسنين المصابين بأمراض مزمنة ويعتمدون على الخدمات الصحية الحكومية قد يضطرون للانتظار أشهُرَ طويلة حتى يحصلون على الخدمة المطلوبة.
ربما من السهل أن نطلب من المؤسسات التقاعدية زيادة معاشات المتقاعدين، ولكن قد لا يكون من السهل تدبير الأموال اللازمة في غياب إسهام حكومي سخي للفئة المحتاجة من المتقاعدين، وهذا لا يعني بالطبع ألاَّ نطالب هذه المؤسسات التقاعدية بتحسين أدائها ومعالجة مشكلاتها وترشيد استثماراتها لتحقيق عوائد عالية يستفيد منها المتقاعدون.