هاني سالم مسهور
لم يكن مفاجئاً أن يخرج من الرياض تأكيد على عزمها الاستعداد لخوض مواجهة برية مع التنظيم الإرهابي «داعش» في سوريا، فالمتتبع لتصريحات سابقة لوزير الخارجية عادل الجبير سيجد هذا الحديث قبل أشهر عشرة توافقت مع انطلاق عملية «عاصفة الحزم» في مارس 2015م وهو جاء آنذاك في إطار تحديد ملامح التحول السياسي السعودي مع عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز والذي وضع في سياسته الخارجية مهمة وضع حد للتدخلات الايرانية في المنطقة، ومساعدة الدول العربية في استعادة الاستقرار والأمن بعد هزات عنيفة توالت منذ العام 2011م.
قواعد الاشتباك في سوريا تختلف تماماً عن غيرها سواء في اليمن أو لبنان أو حتى العراق، فلقد أحدث التدخل الروسي في سوريا معادلة مختلفة تماماً، واحتملت تبعات أكثر تأثيراً سلبياً من ما سبق أواخر أيلول/ سبتمبر 2015م حيث بدأ سلاح الروسي بشن عمليات جوية ضد المعارضة تحت ذريعة الحرب ضد التنظيم المتطرف «داعش» ومع توالي الأيام تسببت الطلعات الجوية الروسية في قتل المدنيين السوريين، وبحسب تقارير عسكرية فإن الضربات الجوية الروسية ضربت بما نسبته 5% فقط الجماعات الإرهابية بينما بقية الطلعات كانت موجهة للجيش الحر والمعارضة مما أوجد للنظام السوري فرصة لاستعادة الكثير من الأراضي التي كانت بحوزة الجيش الحر والمعارضة السورية.
على مسافة خمسة سنوات من اندلاع الأزمة السورية، وعلى مسافة عامين ونصف من بداية التحالف الدولي الذي تقوده الولايات الأمريكية في حرب «داعش»، وبعد فشل المسارات السياسية المتوالية في وضع حد للمأساة السورية بين العاصمة السويدية فيينا والسويسرية جنيف، وضعت الرياض المجتمع الدولي أمام القرار الأصعب وهو بمواجهة «الدواعش» في معركة برية تنهي فصلاً أليماً من الجريمة المرتكبة في سوريا.
الرياض وبناءً على القرار الدولي 2254 وبموجب الإعلان الدولي بالحرب على التنظيمات المتطرفة قررت أن تضع المجموعة الدولية كلها أمام اختبار صعب لا يمكن الهروب منه بغير إجابة واضحة وصريحة وهي إما أن نكون معاً في معركة هزيمة الإرهاب أو أن نتركه ليمارس هذا البطش والتفجير والتهجير والقتل والسبي..!!
جدير بالتنويه هنا أن السعودية تشعر بالخطر الداهم من هذا التنظيم لسبب يغيب عن أذهان المفكرين العرب والأجانب فضلاً عن شعوب باتت تتابع نشرات الأخبار مذهولة من واقع الحال العربية، فالسعودية بحكم تركيبتها وعمقها الإسلامي تدرك أن تهديداً يتجاوز سوريا ويصل إلى كل العالم الإسلامي، فالعلاقات السنية الشيعية أصبحت في أسوأ مراحلها التاريخية، فلم يترك تنظيم «داعش» فرصة للتعايش بين الجميع، هذا الجزء الذي يغيب عن الذهنية العربية وحتى الغربية في التوجه السعودي نحو محارية التنظيمات المتطرفة.
حتى ونحن في هذا الصدد لا يمكننا أن نتجاهل حقيقة أخرى وهي أن وجود هذه التنظمات الارهابية مرتبط بمشروع إيران التي زرعت الفوضى عبر استخباراتها التي مولت ودعمت هذه الجماعات منذ أن وجدت الفرصة مع الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003م، فالايرانيون الذين حصلوا على الاتفاق النووي مع الغرب أحرقوا لبنان وسوريا والعراق واليمن وليبيا عبر هذه الجماعات القاتلة والتي لم توجه ضربة واحدة لإيران أو لمصالحها في الخارج، مما يؤكد عمق الارتباط بينها وبين هذه التنظيمات المتطرفة.
ما آلت إليه المباحثات السياسية في ( جنيف 3 ) من انسداد الأفق السياسي السوري وحتى الدولي يضع العالم أمام عملية ممنهجة تقوم على تغيير ديمغرافي واسع في حمص وحلب من أجل تمكين قيام الدولة العلوية كما اشار إلى ذلك وزير خارجية بريطانيا فيليب هاموند، وهنا يتشكل جوهر الخطر في التدخل الروسي بتهيئة سوريا ليس فقط على التقسيم بل بناء أرضية سياسية لإقامة دول طائفية في العراق والشام مما سيؤدي إلى مزيد من القتل والتدمير والتهجير في المنطقة العربية.
السعودية والامارات لديهما تجربة منظورة في اليمن، فالتحالف العربي الذي شارك في تحرير مدينة عدن خلال العملية العسكرية التي أطلق عليها ( السهم الذهبي ) في يوليو 2015م، وضع استراتيجة مختلفة عبر بناء الجيش الوطني الموالي للشرعية الدستورية اليمنية وقام بالتدريب والتأهيل وترك للرئيس عبدربه منصور هادي كامل القرارات العسكرية الميدانية وشكل التحالف العربي الغطاء الجوي لهذه الوحدات العسكرية اليمنية التي تقترب كثيراً من حسم معركة صنعاء، وهذه هي الاستراتيجية التي ترغب فيها السعودية عبر الاعتماد على الجيش الحر وعناصر المقاومة السورية في خوض معركة يدركون تضاريسها، ويعلمون تماماً قدراتهم وإمكانياتهم كسوريين في مواجهة تنظيم متوحش لن يتم هزيمته بغير منظومة متكاملة ومتعاونة في الأهداف الكبيرة للقضاء عليه وتحقيق الاستقرار والأمن للشعب السوري.