هاني سالم مسهور
تطرق نائب الرئيس خالد بحاح في مؤتمر صحفي بمناسبة الذكرى الأولى على الانقلاب الحوثي وإعلانهم ما سُمي بالإعلان الدستوري في 19 يناير 2015م إلى جانب من الجوانب لم يتطرق له الإعلام، ولم يعط مساحة من ما يستحق من القراءة برغم ما يحتمله من أهمية في مستقبل اليمن نتيجة الانقلاب الحوثي على السلطة الشرعية وانعكاساته المتوالية على واقع المواطن اليمني منذ اجتياح العاصمة صنعاء تحت ذريعة الاعتراض على رفع الدعم عن المشتقات النفطية، وما تلا ذلك من تطورات دراماتيكية.
تحدث دولة الرئيس بحاح عن أن الحوثيين وشريكهم المخلوع صالح قد سيطروا على ترليون ونصف الترليون ريال يمني هي الرصيد الفعلي الموجود في البنك المركزي في صنعاء منذ اليوم الأول للإعلان الدستوري، وأن الحكومة اليمنية تعاملت بمسؤولية تجاه شعبها ومصيره بأن أبقت على محافظ البنك المركزي في صنعاء مدة الانقلاب في حرص منها على الحفاظ قدر الممكن على سعر صرف الريال اليمني خشية الانهيار الكامل للعملة.
ومن المهم أن يتطرق الإعلام من خلال سلطته الرابعة ليلقي الضوء على الكيفية التي تمكن فيه الحوثيون على مدار عام كامل من تمويل المليشيات التي وإن كانت تخسر على الأرض إلا أنها ما زالت تقاتل في ظل حصار صارم على الموانئ اليمنية بدأ منذ انطلاق عملية «عاصفة الحزم» في 26 مارس 2015م، كلما ازداد تضييق الخناق على مليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، في اليمن، من خلال حصارها عسكرياً ومادياً، تلجأ إلى خيارات عدة لتغطية نفقات عملياتها وحربها. تكاد هذه الخيارات تكون مؤلمة وقاسية على المواطن، وفق البعض، وتشلّ الحركة العامة، لا سيما أن خسائرها المالية كبيرة، لذلك ولتغطية هذه النفقات، باتت المليشيات تبحث عن مصادر دخل.
تلجأ المليشيات إلى اختطاف الناس واعتقالهم من خلال تلفيق تهم عليهم، خصوصاً عندما تعلم بأن أسرة المُختطف أو المُعتقل أو أقرباء له أو أهل قريته أو المنطقة والحي من الميسورين مادياً، وتبدأ معها عمليات الابتزاز المالي، بعد أن تُبلّغ أسرته بطريقة ما أو تجعل الشخص يُبلّغ أحداً من أسرته أو معارفه بموضوع اختطافه. كما تقوم المليشيات بإبلاغ سماسرة تكون قد زرعتهم من قبل، وهم من يبلغونها بإمكانيات كل شخص المادية وإمكانية الحصول على مبالغ من وراء اعتقاله، وتعمل المليشيات على كسب إيراداتها، عبر إجبار كل التجار في المناطق الخاضعة لها على دفع مبالغ باهظة، تصل أحياناً إلى حدّ اختطافهم، كما حدث مع تجار مدينة دمت شمال الضالع، الذين نقلتهم إلى مدينة ذمار، مركز قيادة المليشيات الحوثية، وهناك تم إجبارهم على دفع مبالغ كبيرة. وبسبب عمليات المعاملات والمتابعات حول المختطفين أو المعتقلين، نشأت سوق السماسرة، الذين يناصر معظمهم المليشيات.
كما تلجأ المليشيات إلى استخدام شركات الاتصالات المحمولة لتوجيه رسائل، طالبة من المواطنين دعم ما تُسمّيه «المجهود الحربي»، بالإضافة إلى رفع رسوم الاتصالات والإنترنت والتلاعب بباقات الإنترنت تقنياً. وتعمل المليشيات في هذا الصدد، عبر الإسراع في تكملة رصيد المشتركين، وتسريعه في الثلث الأول من الشهر، وإضعافه في الثلثين الأخيرين، منه وفق مصادر في المؤسسة العامة للاتصالات.
ومع أن إيرادات الدولة تُجبى أيضاً من مختلف المناطق، بما فيها المناطق المحررة، إلا أنها لا تزال تصل إلى صنعاء، ومن المفترض أن تقوم المليشيات بصرفها، وفق التزامات الدولة، إلا أن المليشيات تدفع رواتب بعض موظفي الدولة، وترفض الدفع لبعضهم الآخر. لا بل إن موظفي الدولة لا يسلمون من إجراءات المليشيات، من خلال استقطاع مبالغٍ بحجّة «دعم المجهود الحربي»، وتُستغلّ الرواتب أحياناً لتهديد الموظفين، في حال عُرفوا بتأييدهم الشرعية والتحالف العربي. كما استقطعت المليشيات مبالغ عائدة للمرافق الحكومية، خصوصاً المناطق المحررة، من أجل تغطية نفقاتها لـ «المجهود الحربي».
وسبق للمليشيات أن لجأت أيضاً في عملياتها العسكرية، إلى نهب بعض المرافق الحكومية والخاصة والمحلات التجارية، من دون التفرقة بين القطاعين العام والخاص، بما فيها المستشفيات ومعداتها. كما حدث في عدن وتعز والضالع ولحج وأبين، ثمّ تعمد إلى بيع المنهوبات في السوق السوداء. كما وزّعت جزءاً من المواد الغذائية لتغذية مقاتليها. وتتقاسم القيادات السرقات، التي يتمّ تحويل بعضها لـ «المجهود الحربي» في السوق السوداء.
ما سيدفعه اليمنيون من ثمن جراء الانقلاب الحوثي على الاقتصاد اليمني لا يمكن حصره من نتائج سلبية، فاليمن الفقير الذي عاث فيه المخلوع صالح ثلاثة وثلاثين عاماً أصبح وسيصبح أكثر فقراً ومعاناةً نتيجة الفوضى غير المسبوقة في تاريخ اليمن الحديث.