هاني سالم مسهور
واحدة من أخطر الجرائم التي ترتكبها الحروب هي استغلال الأطفال في صراعات دامية لا يحصدون منها سوى الموت والإصابات النفسية والجسدية مما يؤدي لاحقاً إلى خلق جيل مشدود إلى أزمنة بائسة من الصراعات السياسية التي لم يكن لهؤلاء الأطفال في اليمن دواعٍ لإقحامهم فيها، وإن كان المجتمع اليمني (عموماً) قد اعتاد على حمل السلاح باعتباره جزءاً من أجزاء المظهر القبلي إلا أن اليمن عانى كثيراً من توالي الحروب والصراعات سواء تلك القبلية أو السياسية على أجيال اليمن التي لطالما دفعت ثمناً باهظاً في هذه الصراعات والأزمات.
في يوليو 2015م وبعد تحرير العاصمة الجنوبية عدن من المليشيات الحوثية وأنصار المخلوع صالح، أصبنا بذهول كبير عندما عرضت المقاومة الجنوبية آنذاك عشرات الصور للأسرى الأطفال الذين تم تجنيدهم من قبل المليشيات الحوثية، وقدمت وسائل الإعلام تقارير مفزعة تحدث فيها الأطفال عن قصص مروعة تبدأ من اختطافهم في شمال اليمن وتتواصل تلكم الشهادات بتأكيد ابتزاز ذويهم بالتهديد المباشر بتصفيتهم وقتلهم ومصادرة أملاكهم في مقابل تخليهم عن أبنائهم لخوض الحرب إلى جانب المليشيات المسلحة.
كانت تلكم المشاهدات تروي على ألسنتهم ألفاظاً وكلمات لا تستقيم وأعمارهم التي لم تتجاوز اثني عشر عاماً فقط، فكانوا يتحدثون عن حرب مقدسة ضد الدواعش، وأنهم في عدن يقاتلون ضد التكفيريين، وأتذكر أني شخصياً التقيت بمدير أمن عدن الحالي شلال شائع الذي قال إنهم وجدوا معهم مفاتيح معلقة على رقابهم كانت هي مفاتيح الجنة المزعومة وهي التي يوزعها قادة الحركة الحوثية في صعدة.
وبدلاً من المدارس ذهب الأطفال بفعل سياسة الحوثيين إلى المتارس، وهو ما يهدد العملية التعليمية في اليمن، حيث يفقد هؤلاء الأطفال حقهم في التعليم ما يجعلهم عرضة للاستغلال من مختلف الجماعات غير النظامية، ويبقى التهديد الأكبر هو زيادة نسب الأمية في اليمن ما يصعب من توجه الجهات الرسمية نحو القضاء عليها، وتتعاظم الجريمة عندما يأتي حديث الوثائق عن قيام الحوثيين بتجنيد 30 ألفاً من عناصرهم بوزارة الداخلية بخلاف الآلاف بوزارة الدفاع التي يسيطرون عليها.
أعلنت اليونيسيف أن أكثر من نصف مليون طفل تقل أعمارهم عن خمس سنوات يعانون «من سوء تغذية حاد يهدد حياتهم» بسبب صعوبات في تموين البلاد وإرسال المساعدات الإنسانية.
وفيما أكدت في بيان نشر في 12 يناير 2016م أن إحصاءات مؤكدة صادرة عن الأمم المتحدة تشير إلى أن 747 طفلاً لقوا حتفهم، في حين أن 724 طفلاً أجبروا على الانخراط بشكل أو بآخر في أعمال مسلحة، وهذا جزء من المأساة وهو أمر صادم بما فيه الكفاية.
وأشار بيان اليونيسيف إلى أن آثار العنف ضد المدنيين الأبرياء تصل إلى أبعد من ذلك بكثير، فالأطفال يشكلون ما لا يقل عن نصف النازحين الذين يبلغ تعدادهم 2.3 مليون شخص، والنصف أيضاً من 19 مليون شخص يكافحون يومياً للحصول على حصصهم من المياه، كما يتهدد خطر سوء التغذية الحاد والتهابات الجهاز التنفسي نحو 1.3 مليون طفل دون سن الخامسة، وهناك 2 مليون طفل على الأقل باتوا غير قادرين على الذهاب إلى المدرسة.
هذه جريمة حرب مكتملة الحيثيات، لم نر تفاعلاً من قبل الحكومة اليمنية تجاهها برغم أن مجلس الأمن الدولي وفي جلسته الأخيرة بشأن اليمن في ديسمبر/ كانون الأول 2015م كان قد أفرد مساحة واسعة حول المحكمة الجنائية الدولية وما احتمله ملف انتهاكات الحرب التي شنها الانقلابيون في اليمن منذ 2014م، كما أن مؤسسات المجتمع المدني والنشطاء الحقوقيين لم يكونوا أفضل حالاً حيال المبادرة برفع القضايا الجنائية حول جرائم المليشيات الحوثية.