هاني سالم مسهور
أمام إيران طريقان لا ثالث لهما إما أن تمضي في طريق الدولة أو تستمر في إطار الثورة، خياران واضحان تماماً يمثلان إفرازا لتداعيات متوالية في الفاصل الزمني المضغوط، فقبل أن ترفع العقوبات عن إيران بأيام قليلة واجهت (الثورة لا الدولة) الإيرانية اختباراً صعباً بعد أن أقدموا على الاعتداء السافر على السفارة السعودية في العاصمة طهران والقنصلية السعودية في مدينة مشهد، هنا كان تحولاً مهماً في العلاقات ليس على مستوى العاصمتين الرياض وطهران بل تجاوز لك إلى العمق العربي عندما نجحت الدبلوماسية السعودية في كسب المعركة السياسية وحصلت على إجماع عربي واسع تلاه إجماع اسلامي سياسي يؤكد (حشر) طهران في زاوية صعبة.
إيران تعيش في مرحلة محددة من تاريخها السياسي، فلا يمكنها تجاوز الخيارات الصعبة التي رسمتها الدبلوماسية السعودية والتي حددها بشكل واضح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير سواء من خلال البيان المفصل عن الانتهاكات التي قامت بها ايران منذ 1979م أو من خلال الاشتراطات السعودية التي وضعتها للقبول بإيران كدولة من دول المنطقة في شرق أوسط لم يعد قابلاً لمزيد من التدخلات الإيرانية.
كان موقف إيران قبل المفاوضات هو أن مشروعها النووي مسألة سيادة قومية، وأنها تتقيد بالاتفاقيات الدولية، ولذلك ليس ثمة شيء للتفاوض عليه، ثم قادت الولايات المتحدة نظام عقوبات ضد إيران، لتشن عليها بذلك حرباً عبر السبل الاقتصادية بدلاً من العسكرية. و»التحدث» يعني التفاوض على سيادة إيران حول ما تستطيعه وما لا تستطيعه، وقد شكل هذا مسبقاً نصراً سياسياً للولايات المتحدة.
ربما كان بإمكان الولايات المتحدة الحصول على المزيد، لكنها كانت أصلاً صفعة كبيرة لإيران أن تتخلى عن سيادتها من أجل التفاوض مع «الشيطان الأكبر»، هذه القراءة لشكل إيران السياسي يقودنا إلى أن نقرأ إيران من الداخل عبر حقيقتها في صراعها بين المحافظين والإصلاحيين، لا يمكننا أن نعتبر إيران أنها كتلة واحدة بل هذا هو أحد أخطائنا منذ قيام الثورة الخمينية في نهاية السبعينيات الميلادية من القرن العشرين المنصرم وآن لنا أن نتعامل مع إيران بشكل مختلف، لذلك وجدنا إيران في حالة انكماش بعد قطع الرياض لعلاقتها الدبلوماسية معها.
تضيف الانتخابات المقبلة في إيران ( 26 فبراير 2016م ) توتراً أساسياً قائماً أصلاً والذي يُرمز إليه في عنوان « الجمهورية الإسلامية « نفسه- بين السلطات الدينية التي تتمتع بسلطة مطلقة، وبين العنصر الجمهوري الممثل بالمسؤولين المنتخبين. ومنذ ثورة العام 1979، كان ارتفاع مستوى الإقبال على الانتخابات هو الذي يقيس شرعية النظام.
يمكننا توصيف ما قام به مجلس صيانة الدستور بـ (المجزرة السياسية) بعد أن رفض ترشح الآلاف من المعتدلين في سباق الانتخابات، ونتذكر أنه جرى انتخاب روحاني في العام 2013 بأغلبية ساحقة، حيث وعد بحل النزاع النووي، ورفع العقوبات عن البلد، ومعاودة الانخراط مع الغرب، وتخفيف القيود الاجتماعية، وقال خصومه إن انتصاره هدد بإعادة «الفتنة» إلى إيران، ويبدو حجم الرفض الهائل من مجلس صيانة الدستور للترشيحات - والذي يستهدف الإصلاحيين بشكل غير متناسب - يأتي في إطار مسعى إلى الحد من قدرة روحاني على تنفيذ أجندته ومنعه من الحصول على مكافأة شعبية لقاء توصله إلى الاتفاق النووي الذي أبرم مع الغرب.
إيران تدخل في انتخابات 2016م مرحلة محددة من تاريخها بالتأكيد فهي ستشهد انتخابات مجلس خبراء القيادة بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية إلا أن أهمية مجلس الخبراء تبدو أشد أهمية من ناحية أنها ستختار المرشد الايراني القادم نتيجة سوء الحالة الصحية للمرشد الأعلى علي خامنئي، وهو ما يفتح الأبواب الواسعة على تنافس محموم على السلطة الأعلى في إيران.
يدرك روحاني أن عليه أن يخوض واحدة من أكثر المعارك السياسية الداخلية في تاريخ إيران المعاصر، وأن عليه مهاما كثيرة فالاتفاق النووي مع الغرب لا يعني تحقيق مكاسب بدون أن تجد إيران لنفسها قبولاً في محيطها الإقليمي، والموقف العربي حيالها والمتضامن مع المملكة العربية السعودية يضع إيران في محك صعب لا يمكن أن تتجاوزه وهي في الكفة الأخرى التي عليها أن تختار بينهما إما الدولة أو الثورة، ولذلك فإن إيران لن تستطيع تجاوز المرحلة بغير مراجعة جذرية لعلاقتها بالخارج على أن تبدأ في تصحيح نهجها الداخلي والتوافق بين الاستحقاقات الخاصة بالنسيج الإيراني في تركيبته الاجتماعية والمذهبية وحتى العرقية منها.