د. عبدالرحمن الشلاش
أكاد أجزم أنه لا يوجد سوق مفتوح على مصراعيه مثل السوق السعودي بكل أنواعه وأشكاله وصوره، لكن هذه السوق الواسعة ورغم ما تحققه من أرباح طائلة إلا أنها للأسف تذهب لغير السعودي الذي استغلها بذكاء حين خلا له الجو، فالمواطنون أحجموا عن معظم المهن وحتى المشروعات الصغيرة واتجه بعضهم إلى الوظائف المريحة وتركوا العمال غير السعوديين يسرحون ويمرحون ويستحوذون على كل شيء، حتى المحال والمشروعات المتوسطة والصغيرة المرخصة من وزارة التجارة والصناعة مثل الدكاكين داخل المولات والأسواق الشعبية والتموينات، وهي ما تدخل ضمن ما يسمى بتجارة التجزئة، دخلت دائرة الاستحواذ غير السعودي، صحيح أن ملكيتها حسب النظام تعود للسعوديين لكنها تدار من الباطن من قبل الوافدين بعقود تأجير غير نظامية، ولو فكر أحد السعوديين بالدخول في تلك الدائرة فقد يعلن إفلاسه خلال شهور قليلة، والسبب في ذلك الحصار الذي سيجده من الإخوة الوافدين، وهو حصار تكتيكي بجذب الزبائن للوافدين عن طريق خفض الأسعار إلى مستويات تناسبهم لكنها لا تناسب السعودي الذي سيعلن انسحابه فورا لأن العائد لا يستحق ما بذله من أموال وجهد ووقت، لذلك خلت المحلات، خاصة في المدن الكبيرة مثل الرياض من السعوديين.
وليت الأمر توقف على التجارة المرخصة فقد تجاوزها الوافدون لتجارة الشنطة والرصيف والطريق السريع والفرعي وفي الأماكن العامة والمساجد، ساعدهم في ذلك اتكالية الأسر حتى ظهرت لنا تجارة التوصيل للمنازل في ظل عدم استعداد أفراد الأسرة بدءًا من الأب وحتى أصغر الأبناء للذهاب لإحضار المستلزمات، فالكل مشغول بمشاهدة القنوات وتصفح الإنترنت وقضاء الوقت الطويل جداً الذي يصل إلى عشرين ساعة في اليوم، كما صرح بهذه المعلومة أحد مدمني تطبيق السناب شات.
حتى الملابس والعطور والأحذية والإكسسوارات صارت توصل للبيوت عن طريق متاجر وبوتيكات «الانستقرام»، وما دمت دفيعاً ولديك نقود وفيرة، فاطلب تجد يصلك وأنت متمدد على الأريكة. هذا عامل مهم جداً ساعد الوافدين على ممارسة عشرات المهن غير المرخصة وبعضهم لا تدري عن نظامية إقامتهم. اسلك أحد الطرق البرية وشاهد ذات اليمين وذات الشمال ستجد المتاجر المتنقلة جوار محطات البنزين أو قريباً منها، يبيعون مستلزمات الرحلات كافة، والخضار والفواكه وأنواع الفرش والحطب وأدوات الطبخ. عند المساجد يفترشون الأرض لبيع المسابح والمساويك والعطور والتمور، وفي أماكن الترفيه داخل المدينة أو في المتنزهات البرية يتنقلون ببسطاتهم، ويؤجرون الدبابات والخيول للمتنزهين.
سوق التجزئة بهذه الصورة تحوّل إلى سوق عشوائي متضخم لكنه رغم عشوائيته وحالة الفوضى التي يعيش في ظلها يدر أموالاً طائلة يذهب معظمها إلى جيوب الوافدين، ويعمل فيه عدد كبير منهم لا أشك لحظة واحدة في عدم الحاجة لاستقدامهم، وفي مهن تجارية متنقلة وغير نظامية يمكن الاستغناء عنها فما الحاجة لتاجر شنطة أو رصيف أو بائع حطب، وكل هذه السلع يمكن بيعها في المحلات التجارية المرخصة!
السوق السعودية، خاصة غير النظامية منها تحتاج من وزارة التجارة وبمشاركة بعض الوزارات والمؤسسات ذات الصلة لإعادة نظر وتحويلها لمشروعات صغيرة يديرها المواطنون بطرق نظامية لنضمن تشغيل أكبر عدد من أبناء وبنات الوطن، وتقليل أعداد الوافدين إلى أدنى حد.