د. عبدالرحمن الشلاش
خلال مسيرة التعليم الطويلة لا ننكر أو نجحد بأن هناك نتائج تحققت على أرض الواقع ومن يغالط هذه الحقيقة فكأنما يحاول عبثاً تقزيم الجهود لحاجة في نفسه أو جهلا بواقع التعليم ومسيرته. تلك النتائج تمثلت في مئات الآلاف من الخريجين, ومئات المباني المدرسية, ومئات التجارب التطويرية.
لكن محاولة الموازنة بين ما أنفق على التعليم خلال ستة عقود الماضية وما تحقق من نتائج تؤكد أن حجم الإنفاق أكبر بكثير من النتائج. نصف المبالغ الطائلة تصنع تعليماً متفرداً ليس على المستوى الإقليمي وإنما على مستوى العالم. متفرد في مستوى قياداته الاستشارية والتنفيذية, وفي مستوى معلميه وبمستوى مناهجه وطرق تدريسه, وفي نوعية مبانيه المدرسية, والأهم من كل ذلك نوعيات مخرجاته المتمثلة في الطلاب والطالبات الذين يدفع بهم التعليم إلى الحياة بعامة وسوق العمل فقد أثبتت كثير من الرؤى والدراسات تدني مستوى تلك المخرجات سواء من التعليم العام أو الجامعي, فأغلب الخريجين بتخصصات نظرية وبغزارة تفوق حاجة السوق وهنا كان الخلل في تخطيط التعليم, والتسرع في افتتاح أقسام لا تخدم عملية التنمية ولو صرفت تلك الميزانيات في إعداد خريجين بتخصصات نادرة جداً لتحقق الاكتفاء. أمر آخر لا يقل أهمية فمخرجات التعليم العام تعاني من الضعف الشديد وهو ما أدى إلى تسرب كثير منهم من الجامعات أو رسوبهم وتأخر مواعيد تخرجهم وهو ما حمل الميزانيات تكاليف إضافية.
الأمر الأخطر أن وزارة التعليم حين طبقت نظم الجودة والاعتماد الأكاديمي اصطبغت عمليات التطبيق بالشكلية أي على الورق بعيداً عن عمليات التدريس داخل القاعات, وجدية أعضاء هيئة التدريس. عندما تقيس المخرجات ستجد خللاً واضحاً في كفاءة الطلاب واكتسابهم للمهارات. تصعق حين تجد طلاب جامعات على مستوى البكالوريوس وحتى في الدراسات العليا لديهم أخطاء لغوية وإملائية يعتمدون على المذكرات المعدة ولا يجيدون التعامل مع المراجع مجرد معلومات جاهزة يؤدون بها الاختبار لا أكثر!
رغم أن الوزارات أو المؤسسات المعنية شهدت تغييرات كثيرة انتهت أخيراً بدمج التعليم في وزارة واحدة, ورغم مرور قيادات كثيرة على التعليم في جميع مراحله, ورغم اجتهادات تلك القيادات إلا أن الحال ظل على ما هو عليه فما هو السر ولماذا كان التقدم ضئيلاً قياساً بالطموحات والصرف المالي؟ المؤكد أنه وخلال كل تلك السنوات ارتبط التغيير والتطوير بأفكار ورؤى القادم الجديد, فمن يتولى دفة القيادة لا يبدأ من حيث انتهى غيره وإنما ما يريد تحقيقه لذلك ورغم كثرة التجارب في كل فترة, ومحاولة استنساخ ما لدى الغير إلا أنها جاءت مبتورة عن بعضها بل إن كثيراً من التطبيقات ألغيت ونسفت, وكأن التعليم أصبح مثل رأس اليتيم وكل قادم يتعلم الحلاقة فيه فظل في شد وجذب يتقدم خطوة للإمام ثم يرجع عشر خطوات للخلف!
السبب الآخر في نظري أن العمل لم ينطلق من استراتيجيات بعيدة المدى لا تتأثر بقادم أو مغادر بل من اجتهادات كلفت الكثير, ولو بنيت تلك الاستراتيجيات منذ زمن لحققنا أفضل النتائج وبأقل التكاليف فهل تختصر القيادة الحالية المسافة وتنطلق عبر خط واضح المعالم؟