د. عبدالرحمن الشلاش
أثار مقطع «شاطف» أي لم يكن أحد يتوقعه ومر بسرعة الصوت لأحد المتمشيخين من ممارسي «الهياط الدعوي» الرأي العام في الإعلام ومواقع التواصل وحتى الناس العاديين من أصحاب العقول السليمة.
المتمشيخ قام واقفا وأطلق صواريخه وبعض اللقيمات مازالت في فمه بعد أن التهم وجبة دسمة من صحن كان أمامه وقال بالحرف الواحد وبالنص «اللي يتزوج بنتك له الفضل.. شال عنك هم.. شال عنك عار»، وبعد أن أحس بخطئه الفادح أعتذر وقال لم أقصد هذا الكلام وما كنت أعنيه أن المرأة شرف الرجل وهو رد يناقض كلامه واعتذاره بالتالي غير مقبول، وعموما نحن تعودنا من كثير من مشايخ الفلاشات الخطأ ثم الاعتذار فورا بعد أن يحققوا ما يريدون بجذب الانتباه لهم فهم يدركون أنهم في مجتمع سيصدقهم ويدافع عنهم لأنهم يلتحفون بعباءة الدين!
من جهتي لا أهتم كثيرا برأي فردي من شخص واحد، أو من عدة أشخاص بقدر انزعاجي من وجود مثل هذه الثقافة المتخلفة وتداولها والإيمان بها رغم جاهليتها ورفض الدين الإسلامي لها، فقوله تعالى في سورة التكوير {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} أعظم رد على عادة جاهلية بغيضة ومحرمة وصفت في الآية بالقتل بدفن البنات أحياء خشية العار. فالنساء لهن حق الحياة مثلهن مثل الرجال.
الدين الإسلامي ينفي العار عن المرأة بأي شكل كان، ولا يمنح الشرف للرجل لمجرد أنه من فصيلة الرجال، فالعار في النهاية مرتبط بالسلوك لا بالفطرة. فطرة الجنسين سليمة والفرد يتحدد شرفه أو عاره بناء على سلوكياته والعوامل المؤثرة فيها من بيئة وأسرة وأصدقاء ورفاق وغيره.
الشرف والعار لا يحددهما الجنس بقدر ما يحددهما كما ذكرت السلوك فمئات النساء تضرب فيهن الأمثلة في الشرف دون النظر لنوعية اللبس أو الشكل أو طريقة الحديث . لا يمكن أن تحكم على إنسانة بأنها سيئة سلوك لمجرد أنها مرحة أو جريئة في الحديث، أو تهتم بمظهرها وتبدو نشيطة سريعة الحركة، وفي المقابل لا يمكن اعتبار الصمت والهدوء والمبالغة في اللبس دليل على الحشمة والشرف!
قديما كان العامة يتداولون مثلا عاميا ساذجا يقول «الرجل عيبه في جيبه»، كأن هذا المثل قد منح الرجل الشرف المطلق وفي نفس الوقت أطلق له العنان ليفعل ما يشاء وغض الطرف عن كل موبقاته، والغريب ورغم أننا في القرن الواحد والعشرين إلا أن هناك من يؤمن بهذه الأمثال ويسوق لها، ولا يرى فيما يفعله بعض الرجال من تحرش وملاحقة للنساء وإيذاء لخلق الله أي نوع من أنواع العار!
لا أعتقد أن كثيرين يضيقون ببناتهم مثل ما قال المتمشيخ وينتظرون أي طارق ليتخلصوا من ابنتهم والتي وصفها سماحته بالهم والعار، وأن من يتقدم لها هو المتفضل وصاحب المعروف حتى لو كان من أسوأ البشر. الأب والأم ينتظرون فقط من يستحق ابنتهم، وإلا فهي بينهم جمال البيت ورائحته الزكية، ولعل سر جمال كثير من بيوتنا تلك البنات الفراشات الجميلات ولن تضيق بهن صدورنا ولا بيوتنا.