محمد أبا الخيل
شب روح الله الموسوي الخميني وفي ذاكرته قصة مقتل والده على يد رجال السلطة عندما كان في الطريق بين أراك وخمين ، لذا كان الخميني مجافياً للسلطة ومنكباً على التحصيل في الحوزة العلمية في قم حيث تتلمذ على يد عدد من المشائخ منهم الشيخ عبدالكريم الحائري اليزدي مؤسس الحوزة العلمية في قم، وكان الخميني ينتمي للمدرسة الأصولية وهي مدرسة تمنح الفقيه قدر كبير من الحرية في الاجتهاد والإفتاء اعتماداً على فهم وإدراك النصوص الأصلية، وقد عاصر الخميني ثورة رضا شاه و ساند شيخة الحائري في مقاومة الإجراءات التغريبية التي أقرتها حكومة الشاه الأول والتي منها منع الحجاب وإقرار الدستور الذي يقصي رجال الدين عن السلطة. وبعد أن تسنم الخميني المرجعية في قم جعل جل نشاطه في مقاومة التغييرات التي تمضيها حكومة الشاه. وأخرج كتابه (كشف الأسرار ) والذي أعلن فيه موقفه المعارض لحكم الشاه ونشره سجل المخالفات الشرعية التي قام بها الشاه رضا بهلوي والد الشاه وضمن الكتاب تصوراته عن الحكومة الإسلامية.
تميزت الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية بنشاط الثورات الاستقلالية من الاستعمار والانقلابات الإصلاحية في بلدان كثيرة ولم يكن الخميني قليل الاطلاع على هذه الثورات والانقلابات لذا تأثر بها كثيراً وبات يعد لذلك العدة من خلال نشاطه بتنسيق المواقف مع كثير من فقهاء عصره وبعد حادثة ( المدرسة الفيضية) بقم عام (1963م)، أعلن الخميني نضاله العلني ضد الشاة وباتت خطبة المعارضة للشاه تنتشرعلى نطاق واسع مما جعل الشاه ينفيه إلى تركيا حيث وضع تحت الإقامة الجبرية في بورصة وبعد سنة سمح له بمغادرة تركيا إلى العراق حيث أقام في مدينة النجف قرابة (13) عاما، وكان يمارس المعارضة لنظام الشاه من خلال الرسائل والخطابات التي كانت ترسل لتلاميذه والمؤيدين له، وبعد اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران عام (1975م)، إشترطت إيران طرد الخميني من العراق، فسافر إلى باريس ومن هناك بدأ ما سمي بمرحلة (نضال الكاسيت) حيث كانت تسجل خطبه على أشرطة الكاسيت السمعية وترسل لتنسخ وتوزع داخل إيران.
نضالية الخميني السياسية ضد الشاه ورفضه عملية التغريب التي كان الشاه الأول والثاني يريدان تطبيقها في إيران فرض عليه البحث عن صيغة حكم بديل مقبول للشيعة الإمامية يستطيع أن يقدمها للشعب الإيراني خصوصاً وللشيعة على وجه العموم، وكان ملما بنظرية (ولاية الفقيه ) حسبما طرحها الملا النراقي، وملم أيضا بحركة المعارضة لتلك النظرية، لذا ضمن كتابه كشف الأسرار بعض الأفكار حول تطبيق مفهوم الحكومة الإسلامية بناء على تهذيب لنظرية ولاية الفقيه، والتي جعلها فيما بعد في (13) محاضرة جمعت في كتاب سمي (الحكومة الإسلامية) وطبع عام (1970م). هذا الكتب أصبح مشروع النضال السياسي للخميني، ومحور محاضراته التي تلت ذلك، ونظراً لشيوع فكرة الخميني لدى جمهور الشيعة المعارضين لحكم الشاه وتضامن المثقفين الثوريين في حركة ( مجاهدي خلق) الاشتراكية مع الخميني في منتصف السبعينات والتي ساهمت في تكوين الخلايا الثورية الحركية والتي كان لها الفضل في تحريك الشارع الإيراني ضد الشاه.
لم يكن موقف الفقهاء الشيعة الكبار في الحوزات العلمية الرئيسة مشجعاً لنظرية ( ولاية الفقيه)، ولكن مجافاة الشاه محمد رضا بهلوي لهم وإقصائهم والتمادي في سياسة التغريب، ومشاهدة حماس جمهور الشيعة للإنعتاق من الحكم الشاهنشاهي، جعلهم في وضع القبول على مضض، لذا كانت مساندة الحوزات العلمية لثورة الخميني أمر لا مناص منه حفاظاً على تماسك المرجعية، وهذا ما منح الثورة الزخم الشعبي العارم في نهاية السبعينات.
في كتاب الحكومة الإسلامية انتقد الخميني المنهج الديموقراطي في الحكم، وإستدرك على ذلك في النص على أهمية التمثيل الشعبي في مجلس برلماني ولكنه قيد الممثلين بالولاء للولي الفقيه والسمع والطاعة دون معارضة، وذلك في محاولة للتوفيق بين رغبته في تطبيق ولاية الفقيه كما يراها و تذليل معارضتها كونها شمولية واستبدادية.