محمد أبا الخيل
توصلت دول مجلس التعاون مؤخراً إلى اتفاق لتطبيق ضريبة القيمة المضافة خلال (3) سنوات، التي حُددت بنسبة (5 %) من قيمة السلع والخدمات التي ستشملها الضريبة. وقد استُثني من الضريبة التعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية و(94) سلعة غذائية. وضريبة القيمة المضافة التي يطلق عليها في بعض البلدان (ضريبة المبيعات) هي مبلغ نقدي، يُضاف إلى قيمة المشتريات، يدفعها المشتري للبائع، وتحصله الدولة من البائعين؛ لذا سيترتب على فرض هذه الضريبة قيام جميع المؤسسات التجارية والصناعية والزراعية ومؤسسات الخدمات وأي جهة تسجل عملية تبادل تجاري في المملكة بالتسجيل لدى مصلحة الزكاة والدخل، وتقديم بيانات مدققة عن عملياتها التجارية وقيودها المالية، وتدفع ما تحصله من ضريبة للقيمة المضافة للمصلحة خلال فترات تحددها المصلحة. وهذه الضريبة ستمثل دخلاً إضافياً للدولة يُقدَّر بما يعادل (3 %) من إجمالي الناتج المحلي تقريباً. ومع أن هذا الدخل الإضافي لخزانة الدول يمثل مورداً مهماً إلا أن الفائدة الحقيقية لضريبة القيمة المضافة تتمثل في أثرها في عملية تنظيم الأعمال التجارية في البلاد، الذي بدوره سيكون له أثر إيجابي بالغ على تحسين المعيشة، وتيسير الترشيد الإنفاقي.
ضريبة القيمة المضافة ستحتم على كل المؤسسات التي تقوم بتعاملات تجارية بتطبيق تنظيمات مالية لأعمالها وقيود توثيقية لكل عملية تبادل تجاري، وستكون ملزمة نظاماً بإصدار فاتورة مبيعات لكل عملية تبادل تجاري، توضح قيمة السلعة أو الخدمة ومبلغ الضريبة المضافة. هذا الأمر بحد ذاته سيجعل كل التبادلات التجارية موثقة ومعروفة، وهذا سيكشف كثيراً من عمليات الخداع التي يمارسها بعض البائعين، والتي منها رفع الأسعار الانتقائي حسب الزبون، والاختلاس عند البيع، وعدم التوريد لخزانة المؤسسة، وتحصيل عمولات غير نظامية، وبيع خدمات غير مرخصة. كما سيفرض تنظيماً للتبادل النقدي؛ فيفرض التعامل بأجزاء الريال، واستخدام وسائل الدفع الإلكترونية. هذا إلى جانب فائدة كبيرة، تتمثل في كشف التستر التجاري، ومنع غير المواطنين من ممارسة العمل التجاري؛ وبالتالي فتح مجالات تجارية أوسع للمواطنين، والحد من التحويلات النقدية التي كان يجنيها بعض الوافدين من عمليات تجارية غير مرخصة.
تطبيق ضريبة القيمة المضافة سيتطلب خدمات تنظيمية ومحاسبية واستشارية؛ لذا سيولد هذا عدداً كبيراً من الوظائف المجزية، التي ستُخصَّص معظمها للمواطنين، وسيخلق سوقاً لخدمات جديدة، تمثل فرصة لرواد الأعمال من الشباب الطموح، وسيمثل عملية تنظيمية شاملة للقطاع التجاري، بحيث يحتم على المؤسسات التجارية وضع تنظيم لدراسات التكلفة، وتحديد أسعار تنافسية، وينظم عمليات البيع بالأجل والتحصيل، ويساهم في القضاء على ظاهرة الوهمية في التراخيص والسجلات التجارية، التي عادة تستخدم في المناقصات الحكومية، ووهمية التوظيف. فضريبة القيمة المضافة ستكشف حقيقة الموارد المالية للقطاعات التجارية؛ وبالتالي ستساهم أيضاً في تحسين تحصيل الزكاة الشرعية.
قد يتصور البعض أن ضريبة القيمة المضافة سوف تقتطع من دخله، وسوف تمثل عبئاً على موارده المالية، وهذا الأمر صحيح ظاهرياً، ولكن العائد النفعي بعيد المدى لتطبيق الضريبة لجميع المواطنين يفوق ما تمثله نسبة الضريبة، الذي سيتمثل في الحد من الغش التجاري والتسعير العشوائي وتحسين بيئة التنافس التجاري؛ ما يقود لتحسين الخدمات والسلع وتخفيض الأسعار. والأهم هو أن يكون المواطن الرقيب على حسن تطبيق الضريبة فلا يقبل خدمة، ولا يشتري سلعة بدون فاتورة رسمية مطبوعة، ولا يسدد ديناً أو أجراً بدون سند. هذا بحد ذاته سيكون ضامناً للفائدة المرجوة من فرض الضريبة.