محمد أبا الخيل
برز برنامج التحول الوطني للعيان من خلال ورشة عمل موسعة تمت برعاية مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ومع أنه لم يتبع ذلك أي تفصيل للبرنامج حتى الآن سوى ما ذكر في ورشة العمل من وجود (551) مؤشر قياس لـ(17) مكونًا تمثل معظمها في خدمة المؤسسات الحكومية للمجتمع وتحديد (10) أهداف إستراتيجية لتحقيقها بنهاية البرنامج، ولم يوضع للبرنامج موقع على الإنترنت حتى الآن لتفصيل البرنامج وشرحه للعموم. لذا شرق الكتاب والمهتمون وغربوا في استشراف تفاصيل وأثر البرنامج وأسهب البعض في تعداد المناقب، ولم يعلق إلا القليل على عقبات التحول المحتملة والعوائق والاحتمالات غير المستحبة التي عادة ما تقتضي بعض التدخل السريع والمباشر لمعالجة الانحرفات في تنفيذ الخطط قبل أن يصبح الفشل احتمالاً منتظرًا.
مجرد العزم على وضع برنامج للتحول الوطني في المملكة، هو بلا شك خطوة كبيرة للأمام، فنحن بحكم تكويننا الثقافي المحافظ نستصعب التغيير المبرمج وخصوصًا إذا كان يستهدف المعتاد من الأنماط الاجتماعية والمفاهيم الفكرية المستقرة في الذهن الجمعي، ونميل لكثير من التفاوض غير المباشر بين مكونات المجتمع والسعي لتحقيق إجماع حول ما يجب أن يتغير، وعندما لا يحدث الإجماع نؤجل أو نهمل الحاجة لذلك التغييرالذي قد يكون فيه تحسينًا لمستوى المعيشة أو مستقبلها، ولعل السبب في هذا هو أننا نجعل التفاوض في أدنى صوره فلا يحدث جهد حقيقي لتكوين الإجماع، فقليل ما كانت لا تثار النوايا حول تغيير معين قبل الاستئناس بآراء ذوي الاختصاص أو التشريع، أو أهل الحكمة والدراية، فتصبح نوايا التغيير رهينة للرأي الذي هو نتيجة للفكر المحافظ والحذر من التغيير، فتبقى نوايا مؤجلة لحين ما.
التحول الوطني يجب أن يصبح حاجة اجتماعية قبل أن يصبح مشروع قابل للتنفيذ، ولعل الحاجة الاجتماعية موجودة منذ اليوم الأول الذي أصبح لدى المملكة مؤسسة باسم (الهيئة المركزية للتخطيط) - قبل أن تصبح وزارة- ولكن الحاجة الاجتماعية لا تكفي لتحقيق تحول وطني سليم، فلا بد أن يكون هناك رغبة لدى معظم مكونات المجتمع المراد له أن يتحول وأن تبلغ رغبته درجة العزم لتتفاعل وتنجز التحول فهي بلا شك أداته وهدفه ووسيلته، والرغبة في التحول لا تحدث بصورة تلقائية بمجرد وجود الحاجة، فهناك عوائق لبلوغ الرغبة لدى الفرد مرحلة العزم، فكثير من أفراد المجتمع معتاد على واقعه ومتصالح مع ذلك الواقع ويخاف من فقدان ذلك التصالح إذا تغير الواقع غير المعتاد، والعائق الأهم للتحول عند معظم الناس هو الجهل أو عدم وضوح الواقع المراد التحول له، أو وجود مخاوف من فقدان مصالح أو سلطة أو قيمة اجتماعية تأثيرية. لذا لا بد من تولي القائمين على برنامج التحول الوطني عملية إعلام عامة تتمثل في إقامة عدة مناشط وورش عمل وحملات إعلامية مبرمجة من خلال وسائل الإعلام كافة، ولفترة كفيلة بجعل التحول الوطني الشغل الشاغل للفكر الجمعي للمجتمع بحيث يستشعر الحاجة ويكون الرغبة للتحول المراد.
التحول الوطني الذي نحتاجه كثير ولا يقتصر على أداء الأجهزة الحكومية، فنحن بحاجة للتحول من مجتمع مستهلك لمجتمع منتج ونحن بحاجة للتحول من مجتمع أولوية انتمائه ليس للفئوية القبلية والمذهبية والمناطقية ولكن للوطن الواحد، ونحن بحاجة لمجتمع تسوده القيم السامية وليس الانطباعات الظنية، ونحن مجتمع بحاجة ليتحول لمجتمع يؤمن بالحقيقة ويسعى لها عوضًا عن التعلق بالأوهام والإشاعات وخرافات المؤدلجين، ونحن مجتمع بحاجة للتحول من التكاثر الكمي للسكان للتكاثر النوعي ونحن مجتمع بحاجة للتحول من مجتمع عالة على طبيعته الصحراوية إلى مجتمع مغير فيها لتكون أكثر عطاء وأكثر نفعًا وأنظف بيئة، نحن مجتمع بحاجة للتحول في سلوكياتنا تجاه الحياة برمتها فعلينا أن نحترم المختلف ونحترم الأنظمة مهما كانت معيقة لحركتنا ونحترم الأقدمية في أولوية الخدمة ولو كانت لبضع ثوانٍ، هذا التحول الوطني الذي نحن بحاجته ويجب أن نعزم عليه.