د. عبدالواحد الحميد
حين ترتكب جهة حكومية ذات علاقة مباشرة بحياة الناس وسلامتهم خطأً جسيماً في أدائها على نحو يُعَرِّض حياتهم للخطر ثم تقوم بإصلاحه فهذا، بالتأكيد، أفضل من الاستمرار في ارتكاب الخطأ لأنه يحول دون وقوع ضحايا جدد لهذا الخطأ. لكن إصلاح الخطأ لا يمسح الخطأ، وهو بدون شك لا يعيد الحياة إلى الناس الذين فقدوا حياتهم بسببه ولا يعوض أهلهم ومحبيهم عن الفقد الذي تعرضوا له.
الوضع الطبيعي هو ألاَّ يقع الخطأ الجسيم، ولكي لا يقع الخطأ الجسيم فإن الأولى بالجهة الحكومية ذات العلاقة بحياة الناس وسلامتهم هو أن تتوقع المخاطر المحتملة وتعمل على تفاديها.
هناك كتب إرشادية وأدلة فنية يعرفها المتخصصون في كل حقل توضح المخاطر المحتملة التي يجب التنبُّه لها مسبقاً وذلك تفادياً لوقوع الخطأ الجسيم. وهذا معروف، على سبيل المثال، في المشاريع الهندسية كالطرق والجسور والمباني المختلفة.
لكن المؤسف أن الأخطاء الجسيمة التي تحدث عندنا في عمل الأجهزة الحكومية تتكرر مرات ومرات قبل اتخاذ إجراءات احترازية لمنع وقوعها مستقبلاً، وكأن من المكتوب على المجتمع أن يضحي ببعض أفراده لكي ينجو أفراد آخرون من الخطر الذي كان بالإمكان اتقاؤه منذ البداية!!
نحن كثيراً ما نشاهد على امتدادات الطرق التي نسلكها أجزاء متهالكة وخطيرة جداً تعاني من أخطاء هندسية واضحة أو من قصور وتدني في مستوى التنفيذ، فلا تبادر الجهة المسؤولة إلى إصلاحها إلا بعد وقوع حوادث مميتة، وقد تتكرر الحوادث قبل أن يتم الإصلاح!!
هذا التفريط بأرواح الناس يجب أن يُحَاسَب عليه المسؤولون والمشرفون والمنفذون الذين لا يؤدون العمل كما يجب. وقد لفت انتباهي ما صدر مؤخراً من أمارة المدينة المنورة حين وجهت بإحالة بعض المسؤولين في أمانة المدينة إلى هيئة الرقابة والتحقيق بشأن تقصير هندسي في تنفيذ طريق مُطل على مجرى وادي تم تنفيذه بطريقة تُعَرِّض حياة عابريه للخطر. لا أعرف إن كان هذا التوجيه بالتحقيق تم بمبادرة استباقية من الإمارة للحيلولة دون وقوع ضحايا للتنفيذ السيء للطريق أم أنه كان استجابة لشكوى من الناس بعد وقوع ضحايا. ولكن مؤلم أن تتغافل الأمانة عن خطأ فادح كهذا حتى يقع ضحايا أو يصلها توجيه من الإمارة.
يجب أن يكون شعار الأجهزة ذات العلاقة بحياة الناس هو «تفادي الأخطاء قبل وقوعها»، فليس هناك ما هو أشد إيلاماً وغبناً وتفريطاً من إلحاق الأذى بالناس بسبب أخطاء كان بالإمكان تفاديها منذ البداية، ويجب ألاَّ يكون الشعار مجرد لافتة مرفوعة للزينة وليس خطة عمل مطبقة بشكل حرفي.