عبد الله باخشوين
.. بعد قطع العلاقات السعودية - المصرية.. عام 1962 عقب دخول الجيش المصري إلى اليمن لمساندة انقلاب عبدالله السلال ومجموعته على الشرعية الملكية.. انعكس ذلك على أحوال أبناء الجالية الفلسطينية العاملين في المملكة.. حيث أصبح من الصعب عليهم تحويل أموالهم وعائداتهم الشهرية إلى أهاليهم في ((قطاع غزة)) عن طريق ((البنك)).. غير أننا أصبحنا نرى بنوكًا ((متنقلة)).. ففي مواعيد محددة كنت ترى بعض الفلسطينيين الأثرياء المهندمين يمرون على دكاكين ومحلات عمال ((قطاع غزة)).. ليأخذوا منهم الأموال المراد تحويلها أو إيصالها.. ويعطون صاحبها ((ورقة صغيرة)).. ليقوم بدوره بوضعها مع الرسالة التي يبعثها لعائلته ليطمئنهم على أحواله.. وهم بدورهم يحملون تلك ((الورقة)) إلى التاجر ((الغزاوي)) المحدد.. فيسلمهم مبلغ المال المدون فيها.
تذكرت هذا.. بعد أن كثر الحديث عن دور بعض أصحاب المال في تمويل تنظيمات إرهابية مثل داعش بالمال.. وتسهيل مهمة وصول المغرر بهم من مقاتلين ومتطوعين ومخدوعين إلى قواعد التدريب والقتال في سوريا والعراق.
وواقع الحال يؤكد أن معظم الذين ذهبوا إلى هناك هم من الفقراء الذين لا يملكون التكاليف الباهظة لتنقلهم.. ولا يعرفون ((خطوط)) السير الآمنة.. ولا يعرفون أسماء وعناوين وهواتف الأشخاص الذين يجب عليهم الاتصال بهم في محطات ((الترانزيت)) التي يتوقفون بها.. ليجدوا ((الدليل)) الذي يسهل وصولهم إلى ((محطتهم)) النهائية.
وواقع الحال يؤكد أنها عملية تجارية خالصة.. هي بشكل ما تعد نوعًا من الاتجار بالبشر، لأن ((الداعية)) أو المجند الذي يقوم بتجنيد المغرر بهم.. يقبض من الجهات الأساسية الممولة لهذا التجنيد مبلغًا يصل إلى نحو ((خمسة آلاف دولار)) مقابل ((الرأس الواحد)) واصلاً ومسلمًا إلى ((النقطة)) المتفق عليها سلفًا.. ليتولى ((المهربون)) إيصالهم من الحدود إلى ((القاعدة)).. أو ((المركز)).
بمعنى آخر أن ((الداعية)).. أو ((المجند)).. الذي يظهر نفسه كأنه جندي من جنود الله.. ينفق من ماله الغالي والنفيس.. ليصل ((الشبان)) من جنود الله إلى جبهة القتال بعد أن نذروا أرواحهم للجهاد في سبيل الله.. ليس سوى ((تاجر)) يقوم بشراء ((المغرر)) به.. من ((نفسه)) في صفقة سوداء عمادها الدم تتم بين شياطين ((أربعة)) للشاري والممول والمغرر به ومن يضعه في ساحة القتال كأداة للقتل يعمد بالدم حياته وموته فداء لتحالفات شيطانية لا فصام لها.. تتم كزواج ((كاثوليكي)) هذه المرة على الطريقة المسيحية التي تقول إن زواج ((الكاثوليك)) زواج أبدي لا ينفصم إلا بالموت.. لكنه يتم وفق تقاليد ((إسلامية)) ناقصة لا ((شهود)) فيها ولا ((إشهار)) تتم على طريقة:
-((زوجتني نفسك... قبلت))!
أي ((بعتنى روحك وجسدك ودمك.. نذرًا لـ ((...)) مقابل إيمانك به)).
وفي المعنى الشيطاني يتخذ الله سبحانه أسماء ومعاني أخرى.. وللدم أسماء وآلة تُعبد وتُقدم لها القرابين.. وهي أشبه بروابط الدم.. ليس ((الإخوة)).. لكن تلك الروابط التي كادت تصبح أسطورية.. وكانت تتم بين ((المقاتلين)) القدماء كعهد للتضحية والإخلاص.. حيث يقوم كل مقاتل بـ((جرح)) نفسه ويسيل ((دم الاثنين)) في إناء ليختلط ويشرب منه كل منهما فيما يسمى بـ((رابطة الدم)).. بمعنى أنها رابطة لا يفصمها سوى موت الاثنين لأن على من يبقى حيًا أن يمضي في سفك الدماء ثأرًا لصاحبه حتى يُقتل.
وفق هذا الشرح ((المبستر)) تمضي عملية البيع والشراء وهي عند العارفين بأسرارها تستمد من الدين الإسلامى خير غطاء لها.. وتستمد من العبث بكلام الله كل سهامها.. وهي قبل أن تصل لـ((ساحة الإسلام)) وتجد من يؤمن بها ويمولها ويسخدمها.. توجد لها صيغ متوارثة في اليهودية والمسيحية وكثير من الديانات.. وإن كانت قد استقرت بين المؤمنين بها على أبعاد اقتصادية ومالية ويهدف استخدام كثير من بنودها و((تعاويذها)) لتسهيل أسباب الثراء والرخاء الاقتصادي.. وجعل أهلها يعيشون باطمئنان في البلاد التي يوجدوا بها.. مقابل تقديم منح وصدقات وهبات.. كمثل تلك التي يقدمها الأثرياء اليهود لإسرائيل على سبيل المثال. أما عن الدم والتحالفات الشيطانية فهي تدخل لـ((ساحة الإسلام)) مماثلة لتلك التي تستخدم في عصور ظلامية.. كان الأكثر ازدهارًا فيها ((السحر والسم)).