عبدالعزيز القاضي
ياونتي ونة ثلاث مسيمات
لا يقطعن خد ولا يمرحني
سعد بن جفيران السهلي
في سياحة سابقة بعنوان (هات الثلاث), أوردت قصة بيت مثير قاله رجل لزوجته الجديدة الصامتة لسبر غورها, واستفزاز مشاعرها, وهو:
قلت آه يا وجدي على فايت فات
والبل وإن بوّي لهن يدلهني
وذكرت القصة كما سمعتها من والدتي رحمها الله, وطلبت ممن يعرف القصة وأبطالها أن يوافيني بها مشكوراً.
وفي اليوم الذي نشر فيه الموضوع اتصل بي الزميل والصديق الأستاذ ماجد بن محمد العاصمي القحطاني، وذكر لي أنه سمع القصة من والدته - حفظها الله - مع تغيير يسير، وإضافة بيت آخر لبيت الزوج, كما يلي:
يا ونتي ونة ثلاث مسيمات
لا يقطعن خدٍّ ولا يمرحنّي
يا من يبوّي لي على فايت فات
والخلج وإن بوّي لهن يدلهني
وكان رد الزوجة:
إن كان تبكي لك على فايت فات
فهذي جروحي ما بعد قرّشني
عطني ثلاث وخل عنك التنهات
وصيور من فارق وليفه يونّي
ومعنى مسيمات: متعبات مرهقات. والخد: وجه الأرض والمقصود به هنا الأرض المستوية الممتدة. ولا يمرحني: أي لا يبتن ولا يسترحن. يبوّي لي: يصنع لي ما يلهيني كما تصنع العرب البو للناقة، وهو جلد ولدها المذبوح يحشى تبنا، وينصب حولها لتطمئن نفسها وتدر اللبن. فايت فات: يقصد زوجته الأولى. والخلج: جمع خلوج وهي الناقة التي فقدت ولدها. ما بعد قرّشني: لم يبرؤن بعد. التنهات: الآهات والتنهدات.
ثم أرسل لي الأخ فواز القحطاني على تويتر رقم والده خالد آل ماجد القحطاني, وذكر أن لديه ما يفيد في هذا الموضوع, فاتصلت به من الغد فوجدته رجلاً لطيفاً، غزير المعرفة بالشعر الأصيل، وقصص الشعراء, وذكر لي أنه لا يعرف القائل ولكنه يعرف الأبيات, وهي كالتالي:
يا ونتي ونة ثلاث مسيمات
لا يقطعن خدٍّ ولا يمرحنّي
غروبهن تاخذ من الجم زافات
ومحّالهن جداد ما يمرسنّي
يا من يبوّي لي على فايت فات
والخلج وإن بوّي لهن يدلهني
وردت الزوجة كما يلي:
عطني ثلاث وخل عنك التنهات
صيور من فارق وليفه يونّي
إن كان تبكي لك على فايت فات
أنا جروحي ما بعد طيّرني
غروبهن: الغَرب بفتح الغين هو الدلو, والجم: البئر الغزيرة الماء. زافات: مترادفات متتابعات دورا وراء دور. ومحالهن: المحال جمع محالة وهي البكرة تنصب أعلى البئر لمتح الماء بالحبال عبرها. جداد: جديدة. ما يمرسني: أي لا يملص منها الحبل, وهذا يعني أن الإبل التي تسحب الماء من البئر (تسني) غادية رائحة في المعاويد لا ترتاح. صيور: مصير.
وبعد المكالمة بحثت في (قوقل) فقادني إلى منتديات (شبكة ومجالس قبيلة السهول) وإلى لقاء خاص لقاء مع الشاعر مخلد بن باني السهلي, حيث سأله أحدهم عن قصة طريفة حصلت للشاعر سعد بن جفيران السهلي, فقال:
الشاعر سعد بن جفيران السهلي من أهالي رويضة السهول وقصته تعبر عن الحب والوفاء. حيث توفيت زوجته وأم عياله وكان يحبها حبا لا يوصف, ولما أشار عليه جماعته وبنو عمه بأن يتزوج لعله يدله ويرتاح من كثرة الهموم. خطب امرأة من نفس قبيلته من السهول قد توفي عنها زوجها أيضا وهي كذلك تحبه, وفي ليلة الزواج لما دخل على زوجته وهو مهموم ولا يهدأ له بال ومن كثرة الهواجيس على زوجته المتوفية تنهد وقال:
ياونتي ونة ثلاث مسيمات
لا يقطعن خد ولا يمرحني
وغروبهن تاخذ من الجم زفات
ومحالهن جداد ما يرمسني
يامن يبوّي لي على فايت فات
والخلج لا بوّيلهن يدلهني
وكانت امرأته تسمع القصيدة فقالت يكفي لا تكمل, ثم أنشدت:
ياشوق لا تكثر علي التنهات
اقصر جوابك تالي الليل عني
إن كان تبكي لك على فايت فات
فأنا جروحي مابعد نقرشني
عطني ثلاث وخل عنك التنهات
وصيور من فارق عشيرة يوني
وبعد ماردت عليه القصيدة افترقا بنفس اللحظة وطلقها, وهذا يدل على عفة النفس والحب الشريف.
وقد نشرت هذي القصة والقصيدة باسمي في جريدة الرياض من عام 1990 ميلادي يوم الثلاثاء 29 رمضان رد على أحد القراء وهو محمد القاضي» انتهى كلامه.
وفي موقع آخر هو (منتديات قبيلة السهول) وردت القصة في موضوع عنوانه (شاعرات من قبيلة السهول) حيث جاء فيه أن الشاعرة هي (بجرة بنت ناصر بن صهدة الظهيري السهلي) وأن قائل الأبيات هو زوجها (سعد بن جفيران المحلفي السهلي) وجاءت أبيات الزوج مطابقة لما ذكره مخلد بن باني السهلي أعلاه, أما رد الزوجة فجاء هناك كالتالي:
إن كان تبكي لك على فايت فات
فأنا جروحي ما بعد نقرشني
عطني ثلاث وخل عنك التنهات
وأقصر ونينك تالي الليل عني
وبعدها كما جاء في الموقع: «قام الزوج فقبل رأس زوجته وطلب منها السماح فقالت الزوجة والله إني ما واسدك الوسادة بعد هذه الليلة وطلبت الطلاق منه فطلقها».
قلت وأظن أن موقع (شبكة ومجالس قبيلة السهول) وموقع (منتديات قبيلة السهول) الإلكترونيين قد وضعا النقاط على الحروف, وأنه كما تقول العرب (قطعت جهيزة قول كل خطيب), فالشاعر بطل القصة الذي بحثنا عن اسمه هو سعد بن جفيران المحلفي السهلي وزوجته هي بجرة بنت ناصر بن صهدة الظهيري السهلي. والله أعلم.