عبدالعزيز القاضي
شابت لحانا ما لحقنا هوانا
عزي لمن شابت لحاهم على ماش
- مبارك بن مرجان
وهذا البيت الشهير الذي سار مسير المثل وارتقى إلى منصة الخلود, اختلف في قائله, فمنهم من ينسبه إلى الشاعر فهد الخرينق رحمه الله, ليضمه إلى أبيات فهد التي مطلعها:
والله يلولا الفقر يزوي حشانا
لأزمي كما يزمي على البير غطاش
ومنهم من ينسبه إلى الشاعر الشيخ المرحوم مناحي بن معدل السهلي, ويضمه إلى أبياته التي مطلعها:
كم واحد بات الخلا وامتنانا
وربي مجملنا ولو ما به ادباش
وقد أشار المرحوم سليمان المحمد النقيدان في كتابه (من شعراء بريدة) إلى هذا الاختلاف مؤكداً أن القائل هو المرحوم مبارك بن مرجان.
وأشار مقدم برنامج (البادية) وبرنامج (قصة وأبيات) في الإذاعة الراوية المعروف الأستاذ إبراهيم اليوسف, إلى أن مبارك بن مرجان قال المقطوعة التي ورد فيها هذا البيت في سنة الجوع, أي سنة 1327هـ.
وأظن أن نسبة البيت وكذلك المقطوعات الثلاث جميعاً يحتاج إلى مزيد من البحث والتحقيق لورود أبيات أخرى فيها متشابهة غير بيت السياحة.
ولد مبارك بن مرجان في عين ابن فهيد 1275هـ, وعاش وتوفي في الأسياح في منطقة القصيم عام 1338هـ , وشارك مع جيش الملك عبدالعزيز - رحمهما الله- في معركة جراب عام 1333هـ, وقال بعد المعركة قصيدة يرثي بها من قتلوا فيها من أقاربه ومعارفه, ومطلعها:
الله يا يوم حضرناه بجراب
عساه ما يجري على المسلميني
كان مبارك بن مرجان مملوكاً أسود البشرة, وقد أعتقه مواليه آل فهيد أمراء عين بن فهيد, وفي رواية أخرى آل مجلاد من الدهامشة من عنزة. وكان - كما ذكر النقيدان - فقير الحال يعمل في المزارع طوال اليوم مقابل رزمة من سنابل القمح يعود بها إلى زوجتة آخر النهار لتطحنها وتصنع منها وجبة يقتاتون منها, كما أنه عاش عقيماً بلا ذرية, وقد شكا حاله البائسة هذه بأبيات ثلاثة هي:
شابت لحانا ما لحقنا هوانا
عزي لمن شابت لحاهم على ماش
صرنا نكدّ وكدّنا ما كفانا
عيشة وزا يالله على الكر نعتاش
نبي نغرب كان ربي رشانا
وإلا نطوش بمصر من عرض ما طاش
وهي أبيات دقيقة في وصف ما آلت إليه الأحوال من شظف العيش ورقة الحال, فهي كما يقول في البيت الثاني (عيشة وزا) أي عيشة فقر وبؤس مؤلم, والأكثر إيلاماً أن يمتد الفقر والبؤس حتى تشيب اللحى وتقترب نهاية العمر بلا حصيل. لقد كان الفقر عاماً في الجزيرة, وقد هلك الناس وصاروا يسقطون في الطرقات موتى بسبب الجوع, وكانوا يأكلون ورق الشجر والجلود وكل ما تقع عليه أيدهم, بل تروى قصص مرعبة عن أكل بعضهم بعضا, نحمد الله على العافية ونعمة العيش الرغيد, والأمن الوطيد.
ويذكر الشاعر في البيت الأخير أن كدّه الذي لم يكفه ليعيش جعله يفكر في التغرب بحثاً عن لقمة العيش, أو في عبور البحر إلى مصر طلبا للرزق كغيره, ويقال إن أمنيته كانت الانضمام لقوافل العقيلات التي كانت تمارس نشاطاتها التجارية في مصر والشام وغيرهما.