عايض البقمي
منذ مبطئ وقبل عقود خلت أصدر الأستاذ صلاح الدين الزعبلاوي كتاباً عنوانه (أخطاؤنا في الصحف والدواوين) تتبع فيه الأخطاء التي كانت تشوه ما تصدره الصحف والمجلات من مقالات واقترح الألفاظ والعبارات الفصيحة التي تحل محل الملحون الشايع.. لم يكن الدافع إلى تأليفه الكتاب التحقير والتشهير كما يحصل حالياً لبعض الطفيليين والدخلاء!! بل الحرص على العربية من موجة الانحراف واليوم بعد تطور الإعلام واتساع ميادينه وتعدد وسائله من صحف وقنوات فضائية ووسائل التواصل نجد أنفسنا أمام سيول من الأخطاء لا يستطيع ألف كتاب من أمثال كتاب الزعبلاوي درء أمواجها (الموحلة) على شواطئ الفصحى لسبب معروف وهو أن لغة الإعلام المعاصر أسرع انتشارا وأوسع إطاراً من لغة العلم وأن قناة أو صحيفة تستطيع أن تجرف تيباراما المتدفق ألف منبر من المنابر الجامعية المدافعة عن فصاحة العربية ومن كتب اللغة التي تطبع ولا تقرأ.
وإذا ما افترضنا أن صحة الكلام تعدل صحة الأجسام وأن الخطأ يعدل المرض تبين لنا أن انتشار المرض أسرع وأوسع وأقوى مما يتصوره الناس .
الرياضيون لا يستطيعون أن ينقلوا عضلاتهم المفتولة من جسومهم إلى جسوم المهازيل.. أما المرض فإنهم بغير جهد ينقلون المرض إلى الأصحاء، وأن عطسة واحدة كفيلة لنقل الزكام إلى مئات الأصحاء وكما هو في مثل هذه الأيام بأجوائها المتقلبة؟ كفانا الله شر المتقلبين والمتصنعين المثالية وهم عكس ذلك.
ورحم الله أبا العلاء المعري الذي اعتصم من الداء بالإباء فقال:
تثاءب عمرو إذ تثاءب خالد
بعدوى فما أعدتني الثوباء
وعبر هذه المقالة نشير إلى خطأ واحد فقط!! ذاع وشاع وملأ الأسماع والأصقاع كروية وفروسية وحتى سلة وطائرة ومصارعة وملاكمة! وهو تذكير (الكأس) والكأس مؤنثة منذ أفرغ فيها الشراب قبل ألوف السنين فما الذي (ذكّرها)!! بحيث أجريت لها جراحة كالعمليات التي تحول الخنثى إلى ذكر وأنثى!!
فلوكانت اللفظة مما يجوز فيه التذكير والتأنيث كالسوق والدرع لهان الخطب لكنها مؤنثة بالنص الصريح والاستعمال الفصيح؟!
فصحاح الجوهري يقول: (الكأس مؤنثة) والقاموس المحيط يقول هي مؤنثة مهموزة.
ومجمع اللغة العربية في قاموسه الوسيط يقول (الكأس القدح) هذا هو النص الصريح أما الاستعمال الصحيح فأكثر ما ان يحيط به إحصاء واستقصاء.
يقول الأعشى:
وكأس كماء التَّي باكرت حدها
بغرتها إذا غاب عنها بغاتها
وقال طرفة بن العبد:
وتساقي القوم كأساً مَرّة
وعلا لخيل دماء كالشَّقر
ومما يدلك على رسوخ التأنيث في الكأس أن بين نساء العرب من سميت بهذه اللفظة حيث قال أحد الشعراء القدماء بتغزل بحبيبته (كأس)
عساها نار كأس وعليها
تشكى فآتي نحوها فأعودها
ولعل أوضح من كل ما ذكرنا وأفصح أن الكأس وردت في القرآن الكريم ست مرات وهي فيهن جميعاً مؤنثة تأنيثاً لا يخالطه أدنى ريب من ذلك قوله تعالى في سورة الصافات (45) {يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِينٍ بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ} وقوله في سورة الطور (23) {يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَّا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ} وقوله في سورة الإنسان (5) {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا} وبرغم المعجمات الصحيحة والأبيات الفصيحة والأبيات المنزلة تجد بين الذين يدعون انتماءهم إلى الإعلام قبل أن ينتموا إلى اللغة يصرون على ما يقولون (الكأس الذهبي) و(كأس الدوري) ومتى خطر لك أن تردهم إلى جادة الصواب جادلوك بالباطل الغادي مفاخرين لا معتذرين بالمقولة الدارجة (المستعمل أفضل من الصواب المهمل) وأمام ذلك نقول: إذا جاز لكم أن تهملوا الأعشى وطرفة فهل تهملون كتاب الله وهو يتلى صباح مساء؟!
إن الحق قديم والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الجهل الباطل والحق الذي نرجو الرجوع إليه أن نقول (الكأس الذهبية وكأس الملوك الملكية).
المسار الأخير:
الصقر ريشه غالي في جناحه
وريش النعامه غالي فـ الوسايد
عداوة الناجح علامة نجاحه
اللي يميزها الصدوق المحايد