جاسر عبدالعزيز الجاسر
في بدايات الثورة السورية حصل فرز للفنانين السوريين، والذين انضم البعض منهم إلى صفوف الثورة، رغم كل ما تعرضوا له من ضغوط وتهديد بالقتل والمضايقة التي تخطت الفنان نفسه إلى عائلته وأفراد أسرته حتى البعيدين، والذين يقيمون في أماكن أخرى من المدينة، وأمام هذه الضغوط والمعاناة التي سلكت صوراً ووجوهاً عدة اضطر الكثير من الفنانين إلى ترك بلادهم والإقامة في بلدان عربية أخرى، حيث فضل أغلبهم الإقامة في لبنان أو في مصر أو في دولة الإمارات العربية؛ حيث يشاركون في تنفيذ الأعمال الفنية التي تعاقدوا على القيام بها، ومنهم الممثلون والمخرجون وكتاب المسلسلات والأفلام إضافة إلى المغنّين وغيرهم من لهم علاقة بالأعمال الفنية.
فئة أخرى، ولضغوط الحياة ولارتباطهم بوظائف تدر النزر البسيط من الأجور فضلوا البقاء في سوريا دون أن يفصحوا عن مواقفهم مظهرين الحياد، إلا أنهم لم يتورطوا في مواقف داعمة لنظام بشار الأسد مثلما لم يظهروا أي تأييد للثورة السورية.
هذه الفئة، والتي لم تضم عدداً كبيراً من الفنانين إلا أنهم معذورون من قبل باقي أفراد المجتمع السوري لأنهم يعرفون حجم الضغوطات التي يتعرض لها من يجرؤ على معارضة نظام بشار الأسد.
الفئة الثالثة من الفنانين السوريين الذين سجلوا سقوطاً جماهيرياً وأخلاقياً بدعمهم نظام بشار الأسد بصورة واضحة، وإن بدأت أيامها الأولى خجولة ومترددة؛ لأن وقوف فنان أو أي مبدع؛ سواء كاتباً أو مثقفاً مع نظام قمعي يمارس القهر والإيذاء لشعبه، يعد تخلياً من الفنان أو المثقف عن دوره التنويري في المجتمع، ومع هذا وقفت زمرة من الفنانين السوريين مع نظام بشار الأسد بسبب انتماءاتهم الطائفية، إذ يفسر كثير من العارفين بمواقف الفنان السوري دريد لحام والتي حاول في البداية عدم كشفها إلا أن طائفيته فرضت عليه التخندق خلف نظام بشار الأسد.
دريد لحام ذهب إلى بقعة سوداء في تاريخه الفني، فهذا الفنان الذي كسب مساحة كبيرة من المعجبين تخلى عنهم جميعاً بل وحتى انتماؤه العربي مفضلاً التوجه إلى المعسكر الفارسي وإعلانه الاصطفاف خلف دعاة ولاية الفقيه، فبحسب ما ذكرته صحيفة الشرق الأوسط، أقدم دريد لحام على نزع ورقة التوت الأخيرة وأعلن انضمامه إلى الكتيبة الطائفية بتحوله من (شيعي عربي) إلى (صفوي فارسي)؛ ففي حفلٍ نظم في دمشق وجه دريد التحية لصنم الصفويين القابع في طهران مخاطباً علي خامنئي بقوله: (في روحك القداسة، في عينيك الأمل، في يديك العمل، وفي كلامك أمر يلبى).
لم يكتفِ دريد بكل هذا العهر اللفظي، بل ذهب أكثر من ذلك موجهاً الإهانة لكل السوريين بقوله لخامنئي (ازدادت قدسية ترابنا بارتقاء رجالك إلى سمائها).
هكذا تدفع طائفية دريد لحام إلى التجاوز، بل وحتى الإساءة إلى تاريخ سوريا وأرضها الطيبة، والتي سار على ثراها من أفضل صحابة الرسول الكريم، خالد بن الوليد، وأبو عبيدة الجراح وغيرهم من القادة العظام الذين أدخلوا الشام وسوريا إلى دوحة العقيدة الإسلامية، فالذي يفضل القادمين إلى سوريا لغرض الطائفية على بلاده ويضفي القدسية عليهم لا يمكن أن ينطلق من فكر سليم، وإنما من تأثيرات طائفية أسقطت دريد لحام وفرغت كل شعبيته؛ سواء في سوريا أو في العالم العربي، وهو نفس ما أصاب الفنانة السورية العلوية رغدة التي كشفت عن موقفها المعادي للثورة السورية منذ الأيام الأولى لانطلاقتها متوافقة مع انتمائها الطائفي وهو ما دفع بها إلى دائرة النسيان والعزلة حيث تعيش منبوذة في مكان إقامتها بالقاهرة.