جاسر عبدالعزيز الجاسر
من بين ما لاحظه المتابعون لما يجري في الدول التي خضعت لنفوذ ملالي إيران في المنطقة العربية، أن هناك عملا مبرمجا للجهات المرتبطة بملالي إيران على تفريغ تلك الدول من الحضور العربي الدبلوماسي وحتى من الرموز العربية في الدول المعنية، لذلك فقد شهدت السنين الأولى من فرض النفوذ الفارسي في العراق ولبنان بالذات استهدافا للشخصيات والرموز العربية التي لها حضور وتحظى باحترام وتقدير من مواطني تلك الدول، فتم في لبنان ووفق مخطط متواصل اغتيال العديد من الشخصيات اللبنانية العروبية المؤثرة، بدءاً بالشهيد رفيق الحريري وشملت القائمة العديد من السياسيين والصحفيين، ليتم بعدها تفريغ لبنان من الشخصيات اللبنانية العربية الانتماء، وإفساح المجال للمتحولين الذين أخرجوا لبنان من انتمائه العربي باختراع مصطلح (النأي بالنفس)، هذا النأي تحول إلى النأي عن العرب، والابتعاد عن العرب بل وحتى الوقوف في صف أعدائهم، مثلما حصل في مؤتمري وزراء الخارجية العرب في القاهرة ووزراء خارجية الدول الإسلامية الذي عقد في جدة، فوزير خارجية لبنان ووفق فهمه لمصطلح (النأي بالنفس) خرج على الموقف الإسلامي والاجتماع التام لوزراء الخارجية للدول الإسلامية المعارض والرافض لمواقف نظام ملالي إيران العدائية ضد الدول الإسلامية والعربية بالتحديد وبالذات المملكة العربية السعودية، وهو نفس الموقف الشاذ الذي اتخذه وزير خارجية لبنان في اجتماع وزراء خارجية الدول العربية في القاهرة، إِذْ شذ جبران باسيل عن جميع وزراء الخارجية العرب رافضاً الإجماع العربي بإدانة تدخل نظام ملالي إيران في الشؤون العربية الداخلية، والذي تضررت منه معظم الدول العربية وفي مقدمتهم لبنان الذي تحول إلى دولة فاشلة، بسبب تدخل ملالي إيران في شؤونهم وفرضهم ممثلين للنظام عبر ما يسمى الثلث المعطل.
في العراق لا يحتاج نظام ملالي إيران إلى تنفيذ متدرج لاغتيال القادة والزعماء السياسيين، فقد أنجز الاحتلال الأمريكي - البريطاني مهمة حرمان العراق من القادة السياسيين الشرفاء بقتل معظمهم أو إجبارهم على مغادرة وطنهم، وتكفل قانون اجتثاث البعث والعزل السياسي بالباقي فلم يتبقَ إلا من قَبِل العمل مع من جلبهم المحتل الأمريكي وتوافق مع الاحتلال الفارسي الذي مثله عملاء ملالي إيران من الأحزاب الطائفية التي أنشئت وأعلن إشهارها في طهران، ومن يحكمون العراق اليوم والمختارون من قبل المجلس الوطني الشيعي معظمهم من أصول غير عراقية وإن انتسبوا إلى أحزاب عراقية شيعية، وضموا إلى مجموعتهم وفق (نظام المحاصصة) من قبلوا العمل معهم وفق أجندتهم الطائفية رغم اختلاف انتماءاتهم المذهبية والعرقية الذين وافقوا على العمل تحت مظلة التوجه الطائفي المرتبط بنظام ملالي إيران، بعد أن حصلوا ما أرادوا من قبل (البيت الشيعي) الذي مثله ولا يزال المجلس الوطني الشيعي، فالجانب الكردي الذي مثل الضلع الثالث في المحاصصة في الحكم العراقي حقق مكاسب سياسية واقتصادية للمكون الكردي من أهمها حجز حصة في موازنة الدولة تتجاوز نسبته السكانية والمساحة الجغرافية لإقليم كردستان، فيما حرص ممثلو المكون السني على تحقيق مكاسب سياسية وذاتية للأحزاب وللأشخاص الذين دخلوا في لعبة المحاصصة، ولهذا فقد حقق الأكراد ما كانوا يريدونه فيما عجز العرب السنة عن تحقيق حضور سياسي يتوازى مع نسبهم السكانية والمساحات الجغرافية لمحافظاتهم.
ضعف التمثيل السني وانشغال من مثلهم ومن قبل العمل مع من يريدون القضاء عليهم وتهميش العرب السنة جميعا، والذي أظهرته الممارسات والإجراءات التي تمثلت في إصدار العديد من القرارات التي تستهدف السياسيين وقادة العرب السنة ومن أهمها قانون اجتثاث البعث، الذي لم يكن موجهاً للبعثيين، إِذْ تم بموجبه مطاردة كل العرب السنة بمن فيهم من كان يعارض البعث، فيما تجاهل الكثير من الشيعة الذين وصل كثير منهم إلى مركز متقدمة في الأجهزة الأمنية والسياسية، وقد تجاهل السياسيون العرب السنة ذلك إن لم يؤيدوا إقرار الاجتثاث؛ ظناً منهم أنه سيكرسهم زعماء للمكون العربي السني، وهو ما تحقق لهم بعد أن فرغت الساحة السياسية لهم، إلا أنهم كانوا أضعف من يمثل العرب السنة، وهو ما جلب الكوارث للعراق والعرب السنة حتى من خارج العراق، بعد أن فرِّغ من قادته السياسيين الذين يستطيعون مقارعة عملاء ملالي إيران ومن جلبوا الاحتلال للعراق.
وهذا ما تبعه عزل العراق عن أشقائه العرب بمضايقة من يقصد العراق، بما فيهم البعثات الدبلوماسية العربية التي تعرض عدد من أفرادها إلى محاولات اغتيال وتضييق على أعمالهم، مما جعل الكثير من السفارات العربية تغادر بغداد وتقليص البعض منها موظفيها، وهذا ما جعل البلاد شبه معزولة عن العرب، وقد ترجم هذا الواقع السياسي داخل وزارة الخارجية العراقية التي أدارها بعد الاحتلال وزير كردي ثم أعقبه وزير من أصول غير عراقية، ومن خلفهم وكيل وزارة عرف بطائفيته وعمله على ملء كل مواقع الوزارة والسفارات بأعضاء حزب الدعوة الطائفي الذي يعتبره العراقيون ذراعاً طائفياً لملالي إيران، وهذا ما جعل وزارة الخارجية العراقية كجزيرة طائفية وعرقية غير مهتمة بالقضايا العربية، وهو ما يفسر مواقف العراق الأخيرة من القضايا العربية التي لا تتناسب مع المسؤولية العربية للعراق الذي لا يهتم كثيراً بما يجري للعرب، فيما يتحمس ويظهر غضباً لا يتناسب مع السلوك الدبلوماسي حينما يتعلق الأمر بأي انتقاد أو اجتماع على أي خرق لنظام ملالي إيران.