محمد عبد الرزاق القشعمي
ينتمي عبدالعزيز بن عبدالرحمن السنيد إلى مدينة بريدة بالقصيم، ومن أسرة نجدية نزحت للعراق مع بداية القرن الماضي - أيام الفقر والضنك في نجد - لطلب الرزق والبحث عن فرص للعمل، وقد أسست الأسر النازحة من نجد مدناً جديدة على ضفاف شط العرب جنوب العراق لتسكنها وهي: سوق الشيوخ، والخميسية، والزبير.
ولد السنيد في سوق الشيوخ سنة 1341هـ/ 1922م - وكان والده يتاجر بالأقمشة وبالذات (البشوت) - تلقى تعليمه الأولي بالعراق، كما عمل - صغيراً - في توزيع الصحف ثم موظفاً في مصلحة البريد، ثم انتقل ليعمل ببغداد بجريدة (الثبات) التي كان يصدرها محمود شوكت، وكان يتعاون مع صحيفة (الوطن) التي يرأسها عزيز شريف الذي كان حاكماً في القضاء العراقي، وكانت الصحيفة تتبع حزب الشعب.
عاد عبدالعزيز السنيد إلى المملكة ليعمل - في شركة الزيت العربية الأميركية (أرامكو) متدرجاً حتى أصبح مدرساً في مدرسة تعليم العمال المبتدئين عامي 1369 - 1370هـ/ 1949م.
وخلال عمله في الشركة انخرط مع غيره في النشاط النقابي مستهدفاً الضغط على الشركة الأجنبية لتحسين ظروف العاملين العرب والسعوديين على وجه الخصوص، وتم تشكيل اللجنة العمالية التي أصبح السنيد عضواً رئيسياً فيها عام 1372هـ/ 1952م( ).
وقد ذكر الشيخ محمد الناصر العبودي في: (معجم أسر بريدة) ضمن حديثه عن أسرة السنيدي قائلاً: «.. ومنهم عبدالعزيز السنيد أحد زعماء الحركة العمالية في عهد الملك سعود التي سميت عالمياً بثورة العاملين العرب في شركة أرامكو التي هي شركة الزيت العربية الأمريكية، وكانت إدارتها أمريكية كلياً.
وعبدالعزيز السنيد كان أحد الزعماء الخمسة لها، وقد نالت تعاطف بعض المواطنين الذين كانوا يكرهون استئثار الأمريكيين بالإدارة فيها وحصولهم على الرواتب الضخمة في تلك الشركة دون العرب»( ).
وقد عرف السنيد بريادته في تأسيس الصحافة في شرق المملكة، فقد كتب لسمو ولي العهد الأمير سعود بن عبدالعزيز عام 1372هـ/ 1952م لطلب الموافقة على إنشاء أول صحيفة بالمنطقة الشرقية تحت اسم (الشباب) وسريعاً حصل على الموافقة ولكن مشروعه لم ير النور لعدم وجود مطابع حديثة بالمنطقة، ولم تنجح فكرة طبعها بالبحرين، ولكنه تعاون مع صديقه يوسف الشيخ يعقوب وشقيقه أحمد بتأسيس صحيفة (الفجر الجديد) عام 1374هـ/ 1954م والتي توقفت بعد صور ثلاثة أعداد. كما كتب في جريدة (أخبار الظهران) لصديقه عبدالكريم الجهيمان عند صدورها 74 - 1376هـ/ 54 - 1956م.
لقد استجاب الملك سعود لمطالب العمال والضغط على الشركة لتحسين ظروف العمال بإصدار مرسوم بإنشاء هيئة ملكية للنظر في القضايا العمالية، كما أقر جلالته إحداث تحسينات كبيرة في ظروف العمل وزيادة الأجور، وتحسين أوضاعهم السكنية، وبناء مدارس لأبنائهم والانفاق عليها من قبل الشركة، كما تم إنشاء مصلحة العمل والعمال بالمنطقة عام 1374هـ/ 1954م وهي نواة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية فيما بعد( ).
وكان السنيد قد اضطر إلى مغادرة البلاد بعد تصاعد موجة الاحتجاجات العمالية عام 1373هـ/ 1953م وبقي لما يقرب من عشرين عاماً، عاد بعدها - منتصف السبعينيات الميلادية - إلى المملكة ليعمل في القطاع الخاص وليواصل الكتابة في الشأن العام في جريدة (اليوم) وفي مجلة (الشرق).
قال عنه نجيب الخنيزي راثياً بعد وفاته يوم السبت 17 فبراير 2012م أنه أحد الرواد الأوائل الذين أسسوا وقادوا الحراك الثقافي والوطني والإعلامي في بلادنا، حيث أسس مع زملائه في أرامكو (اللجنة العمالية) التي انتخب رئيساً لها... إلى أن قال: لقد ظل أستاذنا الراحل رغم السنين والأنواء شاباً في روحه الوطنية الوثابة، وعطائه، قابضاً على جمر مبادئه الوطنية والاجتماعية والإنسانية، ومتجاوزاً لكل أشكال التشطير والفرقة المناطقية، القبلية التي ابتلي بها مجتمعنا، كبقية المجتمعات العربية في السنوات الأخيرة( )..
كما رثاه بجريدة اليوم - 29-3-1433هـ - 21-2-2012م - أصدقاؤه: إسحاق الشيخ يعقوب، وخليل الفزيع، وجعفر النصر، ونجيب الخنيزي، وابنه نبيل السنيد، وقد أجمعوا على أنه يحمل «طموحاً ووعياً وإرادة فكرية وأدبية وله نشاط اجتماعي وسياسي لقادم وطن ناهض متحرر من تركة الماضي وجاهلية الظلام والتخلف.. وكان له الفضل الأكيد في زرع الفكر الوطني المتوثب وعياً ثقافياً وأدبياً.. يوم كانت الرتابة الثقافية والفكرية تتمدد فينا وفي عمق الوطن، وتركن إلى سكون الجمود والظلام والتخلف!! وكنا نتفاعل مع هذا القادم تواً من العراق والذي يلتهب وطنية في وعي ما كسبه هناك من حراك أدبي وفكري وثقافي».
وكتبت جريدة الشرق (28-3-1436هـ/ 20-2-2012م) تحت عنوان: (ولد في العراق وتنقل بين بيروت ودمشق، وأسس أول صحيفة في المنطقة الشرقية: عبدالعزيز السنيد عاش كبيراً ورحل صامتاً).
ومما نشرته عنه قول المستشار القانوني محمد سعيد طيب: إن السنيد كان مناضلاً نبيلاً، حيث تتعدد صفات المناضلين، ومنهم الشرسون على سبيل المثال، مضيفاً: «ما عرفته عنه أنه صبر على أمرّ الليالي وأمرّ الأيام لكن لم تفارقه ابتسامته حتى اللحظة الأخيرة، وكان حريصاً على السؤال عن زملائه حتى مع تقدمه في العمر، وعدم انتظام أحواله الصحية».
أما رفيقه محمد قرطاس فتحدث عنه قائلاً: «هو شخص وطني نزيه، ويعزه الجميع، والناس في جميع توجهاتهم يحترمونه، وهو بعيد كل البعد عن التطرف، مع أي جهة، وتعامله رائع مع الجميع، وهو إنسان متواضع، ويعجز اللسان عن إطراء هذا الإنسان الرائع بما يستحق» كما رثاه صديقه إسحاق الشيخ يعقوب قائلاً: «ها هي قامة من قامات عقيدتنا الوطنية الحقه، التي بذرت بذور الوطنية الحقة فينا، وعلى أرض الوطن، تترجل وترحل عنا إلى الأبد.. «.
ونعود لما كتبه خليل الفزيع في جريدة اليوم (29-3-1433هـ) حيث يؤكد علاقته بالصحافة: «عبدالعزيز السنيد - رحمه الله - كان من رواد الكتابة الصحفية في المنطقة الشرقية، كتب في وقت مبكر من تاريخ الصحافة في المنطقة، أولاً في صحف الأفراد مثل أخبار الظهران والخليج العربي، ثم في جريدة اليوم بعد ذلك، وكانت تضم كوكبة من أبرز الأقلام المؤثرة في مسيرتنا الثقافية.. لقد عالج الفقيد في مقالاته العديد من المشاكل الاجتماعية يوم كانت الصحافة تعتمد على الرأي قبل اعتمادها على الخبر أو الصورة، بحكم بدايات التنمية في المملكة. وهي فترة اتسمت بالنقد المباشر والحاد لتقويم مسار تلك البدايات، وكان السنيد ذا شخصية هادئة انعكست على كتاباته، فلم يكن حاداً في طروحاته الكتابية بل كان هادئاً ورزيناً في طرحه ونقاشه لأهم الموضوعات وأكثرها حدة..
ترجم له عبدالرحمن العبيد في كتابه (الأدب في الخليج العربي) قائلاً: «عبدالعزيز بوسنيد: «أديب وكاتب حر، ولد عام 1925م في سوق الشيوخ بالعراق، وتلقى دراسته المتوسطة هناك، وبرزت ملكته الأدبية ككاتب اجتماعي واقعي.. نشر الكثير من إنتاجه في الصحف العراقية، كالوطن، والهاتف، ثم صحف المنطقة الشرقية، كالاشعاع، وأخبار الظهران. ابتدأ حياته العملية موظفا مرموقا في دائرة المعارف بشركة الزيت في (الظهران) ثم انتخب مع (اللجنة العمالية) فالتحق (بمصلحة العمل والعمال) التابعة للحكومة، وهو اليوم رئيس شعبة الرخص والعقود في هذه المصلحة، يميل في أكثر كتاباته إلى (التعليق السياسي) ودراسة مشاكل المجتمع( ).
** ** **
* مكتبة الملك فهد الوطنية - الرياض