قيل عنها:
(إذا أجاك ولد سمه موضي)
ولدت موضي العبدالله البسام في حدود عام 1270هـ وقيل 1263هـ وتوفي والدها قبل سن التمييز، وتعلمت القراءة والكتابة وحفظت بعض السور من القرآن برعاية والدتها هيا الناصر السعدي وتوجيه وإرشاد عبدالله العبدالرحمن البسام الذي تعين وكيلاً عليها وأختها القاصرتين – وزوج والدتهما بعد ذلك -.
تزوج أكبر أبناء الوكيل – عبدالله العبدالرحمن البسام – عبدالرحمن من موضي بتشجيع من والده الذي لمس منها تميزاً في الفطنة والحكمة وحب الخير، وتم الزواج في العقد الأخير من القرن الثالث عشر الهجري ورزقت بابنين وأربع بنات، توفي أكبر الأبناء – حمد – والبنات الأربع في حياة والدتهم. وكانت وفاة ابنتيها – حصة ولولوة – في يوم واحد عام 1337هـ المعروفة بسنة الرحمة.
توفي زوجها في عام 1320هـ فتيتم أولادها وتوفوا جميعاً عدا إبراهيم فقامت بتربيته وتربية أبناء بناتها، بل لم يقتصر عطفها وكرمها عليهم بل تجاوزهم للآخرين بسبب الظروف الاقتصادية السيئة.
ولنترك الدكتور أحمد بن عبدالعزيز البسام يتحدث عنها في كتابه: (المحسنة موضي العبدالله البسام) «.. كانت المحسنة على قدر كبير من اليسار فقد اختصت بثلث تركة والدها الذي كان صاحب محل تجاري في جدة، وله عقارات ومعاملات في عنيزة، ومن معاملاته رحمه الله في المضاربة... وأما والدة المحسنة - هيا الناصر السعدي - فهي أيضاً على قدر من اليسار خاصة بعد ميراثها لثُمنْ تركة زوجها حيث حرصت على تنميته وذلك بأعطائها مبالغ من المال لمن تثق به ليقوم بالعمل بها... وقد حذت المحسنة حذو والدتها في تنمية رأس مالها عن طريق المضاربة...».
أصبحت تنفق على أبنائها من مال أبيهم، أما مالها الخاص فكانت تنفق منه على مشروعات البر والخير ومساعدة المحتاجين، فقد خصصت كمية من التمر وحب البر على المحتاجين، وكانت تشرف بنفسها على توزيعه، وكلفت عدداً من النساء بتنفيذ ذلك، إذ كانت تتقصى وتسأل عن الأسر المحتاجة لتصل إليهم، كما أنها قدمت الشيء الكثير لأهل عنيزة ومن حولها لظروف الشدة التي ألمت بهم بسبب الحروب أو زيادة الأمطار، أو الجوع وانتشار الأوبئة.
أما المناسبة التي أشهرتها ونقلت شهرتها إلى خارج الحدود فهي أعمالها الإنسانية الجريئة في استضافة المهزومين من جيش مبارك الصباح والإمام عبدالرحمن الفيصل في وقعة الصريف عام 1318هـ فقد تعقب ابن رشيد ورجاله المنهزمين وقتلهم، ولكن بعضهم وصل إلى عنيزة فوجدوا المساعدة من المحسنة، التي استضافتهم في بيوت خاصة بها وببعض أفراد أسرتها، وأمدتهم بما يحتاجون إليه من طعام وشراب، وبعد أن خف الطلب عنهم أخذت في إعادتهم إلى الكويت بعد أن أعدت لهم الرواحل، على دفعات بمجموعات صغيرة حتى لا يلفت إليهم النظر.
ولا ننسى معركة البكيرية بين الإمام عبدالعزيز بن سعود وعبدالعزيز المتعب الرشيد أمير حائل عام 1322هـ التي انتصر فيها ابن رشيد فلجأ من سلم من القتل من أهل الرياض إلى عنيزة حيث وجدوا من المحسنة كل مساعدة إذ وفرت لهم سبل الراحة وعلاج المصابين حتى تهيأت الظروف لعودتهم إلى بلدانهم سالمين.
وقصة أخرى ما زال كبار السن يرددونها إذ تعرضت عنيزة لأمطار غزيرة عام 1322هـ تهدمت بسببها المنازل وتضرر الكثير منها، فقامت المحسنة على قدر استطاعتها بمساعدة من تضرروا، وكان ممن تهدم بيته حامل بيرق عنيزة عايد الصقيري، واحتاج إلى خشب الأثل وجريد النخل لإصلاح بيته، وقد بحث عنها فلم يجدها، فأشار أحدهم عليه بطلب ذلك من العمة موضي فهي المحسنة التي لا ترد صاحب طلب، فأجاب بعدم استطاعته بسبب ما قيل عن مشاركته في نهب بعض بيوت أسرتها في يوم السطوة – يوم دخول الملك عبدالعزيز إلى عنيزة وضمها إلى سلطته - في الخامس من شهر محرم 1322هـ، فشجعه أحدهم بقوله: ان العمة ذات خلق فاضل ولن تمتنع عن مساعدتك بسبب ذلك الموقف.
وحدث ما توقعه.. فقد ذهب الصقيري إلى المحسنة على استحياء، وعندما فتحت له الخادمة طلب مقابلة العمة وقال: (قولوا للعمة لا تغطى أنا أبتغطى) أي لا تحتجب فأنا من يجب أن يحتجب، إشارة إلى عمله السابق.
قابلت طلبه وحولته إلى مزرعتها (السفيلا) ليأخذ كامل حاجته من خشب الأثل وجريد النخل، فأصبح يدعو لها ويشيد بها في المجالس وقال قولته المشهورة والتي أصبح الكل يتناقلها (إذا جاك ولد سمه موضي)، ففي إحدى زيارات الملك عبدالعزيز لعنيزة تندر أحدهم بسؤال الصقيري: إذا أجاك ولد ماذا تسميه فرد عليه (أسميه موضي) فضحك الملك وقال (تستاهل بنت عبدالله ونعم وليت النساء مثلها). ويسترسل الدكتور أحمد البسام في ذكر مناقب ومحاسن ومواقف موضي البسام الإنسانية فيذكر أنه في عام 1327هـ أصاب الناس مسغبة شديدة عرفت بسنة الجوع «.. فقد قامت مع جواريها بتوزيع كميات التمر المتوفرة عندها، وبعد نفادها اشترت كميات أخرى، واستأجرت عدداً من النساء، ووكلت إليهن مهمة توزيعه على بيوت المحتاجين مع قيامها بمساعدتهن والإشراف الكامل على عمليات التوزيع والمساعدة».
وفي عام 1337هـ وبعيد انتهاء الحرب العالمية الأولى أصيب الناس بمرض الكوليرا ونتج عنه وفيات كثيرة، وعرفت هذه السنة بسنة الرحمة، وقد توفي في عنيزة وحدها ما يقارب الألف من الرجال والنساء.. فقامت علاوة على توزيع الطعام بمهمة أخرى، وهي تجهيز الموتى، وأجرة المغسل والمغسلة وتكفين الأموات وحفر القبور...
وقد أصيبت المحسنة – رحمها الله – بما أصيب به الناس في تلك السنة ففقدت ابنتيها حصة ولولوة في يوم واحد، كما فقدت ابنها حمد في هذه السنة أيضاً، وصبرت على مصيبتها واستمرت في مساعدة المحتاجين، وبعد سنوات فقدت ابنتيها نورة ومضاوي واحتسبت ذلك عند الله، وتفرغت لتربية أبناء بناتها، وبعد بلوغهم سن الرشد تفرغت للعبادة مع استمرارها في التوجيه لمساعدة المحتاجين.. ».
كما أنها كانت تقوم بعتق الرقاب ومن أمثلة ذلك أنها اعتقت جاريتها مبروكة واشترت لها منزلاً تقيم فيه.. وقد أوصت الجارية بعد ذلك بتوقيف البيت بصرف ريعه بأعمال البر ووكلت عمتها السابقة – موضي – في تنفيذ ذلك.
وكانت تعامل جواريها ومملوكاتها معاملة طيبة وتزوج من يرغب منهن في ذلك. ويذكر البسام في معرض استرساله في ذكر مآثرها الطيبة أن إحداهن سافر عنها زوجها إلى البحرين وطال سفره، وانقطعت أخباره عن زوجته، وكانت المحسنة تتألم لوضعها وتحاول التخفيف عنها وجبر خاطرها، ومن أساليبها في ذلك، شراؤها الهدايا المتنوعة بين فترة وأخرى وإرسالها إلى زوجته باعتبارها هدية من زوجها، فكان ذلك أسلوباً ناجحاً في إدخال السرور والفرح عليها، وزيادة أملها في قرب رجوع زوجها.
وكان الملك عبدالعزيز – رحمه الله – يقدر للمحسنة أعمالها الجليلة، ويدعو لها، وقد كتب لها ولابنها إبراهيم في عدد من المناسبات.
وقد وجه الملك عبدالعزيز بعض المسؤولين وأمراء بعض المناطق بخطاب في عام 1335هـ قال فيه: «بأن أولاد عبدالله العبدالرحمن البسام وحمولتهم طوارف لنا ومن أعز طورفنا».
وكتبت المحسنة وابنها إبراهيم رسالة إلى الملك عبدالعزيز في زيارته القصيم عام 1355هـ يدعوانه إلى تشريفهما على العشاء، فكتب لهما الملك بالاعتذار عن إجابة الدعوة في زيارته هذه، ووعدهما بالإجابة في الزيارة القادمة.
كما كتبت المحسنة إلى الملك عبدالعزيز تعزيه بوفاة ابنته منيرة فأجابها برسالة مؤرخة في 4 رجب 1358هـ.
واستمرت المحسنة رغم تقدم سنها في العمل على مساعدة المحتاجين.. وقد أقر الله عينيها بعد بلوغها الثمانين عاماً برؤية ابني ابنها إبراهيم وهما عبدالرحمن وحمد..
انتقلت إلى جوار ربها في شهر ذي القعدة من عام 1363هـ بعد تجاوزها التسعين من عمرها. بعد أن تركت وصيتها باستمرار تنفيذ عدد من مشاريع الخير والإحسان ومنها:
تسبيل ثلاثة قدور كبيرة للانتفاع بها من المحتاجين إليها، وأوصت بعدد من الأضاحي، وعشاء في جُمع رمضان، وقربة ماء تخرج كل سنة في الصيف، كما أوصت بعتق مملوك ومملوكة من ثلثها.
وقال عنها باسم اللوغاني من الكويت في (الجريدة) بتاريخ 1 مارس 2013:
إن الأستاذ سليمان ماجد الشاهين يشهد ويؤكد ما ذكرته الدكتورة دلال بنت مخلد الحربي في كتابها (نساء شهيرات من نجد) «.. وكان أول ما اشتهر من أعمال السيدة موضي الخيرة ما فعلته مع فلول جيش مبارك بن صباح الذين تفرقوا في بلدان القصيم بعد معركة الصريف 1318هـ- 1901م وكان جيش عبدالعزيز بن متعب بن رشيد وأنصاره بلاحقونهم، فوصل بعضهم إلى عنيزة التي كانت خاضعة لابن رشيد، فقامت موضي باستضافتهم سراً في أحد البيوت التابعة لأسرتها أياماً بكل كرم، ثم بدأت ترسلهم بأعداد صغيرة خفية إلى الكويت حتى وصلوا سالمين... ».
كما يؤكد ذلك شاهد آخر من الكويت هو خالد محمد المعوشرجي.. وأردف «.. أن هذه المرأة تستحق أن يخلد اسمها في تاريخ الكويت بإطلاقه على شارع أو مدرسة امتناناً لدورها الكبير في إسعاف وإنقاذ مجموعة من أهل الكويت في حرب الصريف.. ».
وسبق لباسم اللوغاني أن كتب عنها في عدد آخر من الجريدة.
قائلاً: «موضي بنت عبدالله بن حمد البسام: لها قصة شهيرة حول أسرى معركة الصريف عام 1901م التي وقعت بين ابن رشيد ومبارك الصباح وهزم فيها ابن صباح حيث أجارت موضي أربع مئة من فلول جيش مبارك بن صباح واشترت لهم جمال محملة بالزاد والطعام وأعادتهم لأهاليهم، وعرفت موضي البسام بفعل الخير وقد كان الملك الراحل عبدالعزيز آل سعود حريصاً على السلام على موضي البسام كلما زار عنيزة ويناديها العمة.. ».
هذا وقد كتب المواطن محمد العبدالله الجعيلان لمحافظ عنيزة مؤخراً خطاباً يدعوه فيه إلى تكريم موضي العبدالله البسام لقيامها بإغاثة أهل عنيزة وأنقذت الكثير من الموت.. وقال إنها وقت إغاثة الأهالي وجدت طفلاً قد ماتت والدته يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة وعندما اقتربت منه وحملته لإنقاذه ذرفت دمو عها رحمة به وخوفاً عليه من الموت، ولقد عجزت عن السيطرة على أعصابها وهي قوية الشخصية، فانقذت الطفل وواصلت أعمالها الإغاثية حتى انتهت المجاعة، وقال إنها قد أنقذت والده ووالدته من الموت المحقق، وكان عندما ينتقد الطعام تقول له والدته: احمد ربك ما شفت اللي شفنا لولا الله ثم موضي العبدالله ما طلعت على الدنيا.
هذا وقد ذكرها وأشاد بها الكثير من المؤرخين والنسابين نذكر منهم: حمد الجاسر وعبدالله بن خميس ومحمد بن عبدالله بن بليهد ومحمد الناصر العبودي وعبدالله العبدالرحمن البسام وعبدالله المحمد البسام، ودلال مخلد الحربي وغيرهم.
وقد كتب عبدالعزيز القاضي بجريدة الجزيرة في عددها 15308 يوم الأربعاء 1-11-1435هـ الموافق 27-8-2014م معلقاً على بيت شعر لمحمد العبيدالله (سياحة في بيت).
لا جاك ولد سمه موضي!
يا الخيرة موضي البسام
يا مفخرتنا بها الديرة
وقد استعرض سريتها وأهم صفاتها وما قامت به واختتمها بقصيدة محمد العبيدالله والتي قال فيها:
يا الخيرة موضي البسام
يا مفخرتنا بها الديره
على عنيزة تراك وسام
من طيب الأفعال والسيره
الطيب لو قسموه أقسام
حطوك بأول مشاويره
لو راح لك كم عام وعام
الطيب ما راح تذكيره
يوم ان طير المجاعة حام
والجوع لجّت مناشيره
لولاك ما ظن حيٍّ قام
جيتي من الله بتدبيره
يفداك من هو قليل ارحام
ما داخلت نفسه الغيره
على المساكين والأيتام
رداه دايم وتقصيره
حقك علينا وفا واكرام
مير العرب يالله الخيره
هذا صدودٍ وذا لوّام
وذاك همه دنانيره
والمال لو جمّعوه أكوام
ما طوّل العمر تكثيره
لا راح يومٍ من الأيام
يشوف شره عقب خيره
دنياك هذي وهَمْ وأحلام
ما يجهل العقل تعبيره
أجرك على الواحد العلام
تدرين ما ينفِعِك غيره
تلقين حسن العمل قدام
يوم الخلايق بها ذيره
عساك في روضةٍ وأنعام
في جنةٍ كلها نيره
- الرياض