د. محمد عبدالله الخازم
عندما نتطرق للمشاكل الصحية، ونجد اللجوء لخبرات جهات هنا أو هناك، نسأل اين ذهبت المدرسة؟ هل توارت خجلاً أم توارت شيخوخة؟ هل توارت اختياراً أم نسياناً من قبل من لم يقدر قيمتها؟
ومن يتابعني يعرف أن المدرسة هي مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث. وللتذكير فإن تلك المدرسة هي التي تخرجت منها القيادات التي وضعت مدينة الملك عبدالعزيز الطبية للحرس الوطني في ركب المقدمة والقيادة التي أسست مدينة الملك فهد الطبية الحديثة وتلك التي أعادت انتشال مستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام من عثرته الأولى وهي التي أسهمت في تأسيس مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة وغيرها من المؤسسات الصحية الحكومية والأهلية الرائدة. التخصصي كان المصدر للكفاءات القيادية والمرجع الذي تم الاستفادة من أنظمته وسياساته وخبراته، والنموذج في كثير من القضايا والممارسات الطبية والإدارية.
لازال التخصصي مدرسة - في الواقع وفي وجداني- لكنه عبر مسيرته تعرض لهزات وتراجع، لأسباب بعضها خارجية وبعضها داخلية. لا أريد التوسع في الأسباب الخارجية، لكن الأكيد أن التخصصي تعرض لمنافسة بطرق متعددة بعضها لم يكن بريئاً بما فيه الكفاية، كما أن تحويله إلى مؤسسة عامة والتدخل لتوحيد كادره وبعض نظمه مع كادر القطاعات الصحية الأخرى ومع بعض أنظمة الدولة البيروقراطية، أفقده بعض تحليقه المعتاد. لكن دعونا نتجاوز ذلك إلى عوامله الداخلية.
أحد أكبر مقومات التخصصي كانت في تأسيس مركز ابحاث مصاحب له منذ البداية. ويفترض ان يكون ذلك المركز - عطفاً على عمره وماحظي به من دعم ومن اعتباره ضمن أرقى منظومة صحية سعودية- مرجعاً للبحوث الطبية وللسياسات الصحية السعودية. بل أتذكر أنني طالبت بتحويله لمركز وطني للبحوث الطبية ولدراسات الصحية. لكن المؤسف أن هذا المركز لم يقدم المأمول منه ولم تهتم به قيادات التخصصي.
تجمد فكر المركز وفقدت قياداته الوسطى فرصتها للتطوير، والمركز هو الرئيس. المركز حصر نفسه في أبحاث بيولوجية وعلوم أساسية وطبية، ولم يتطور لمركز وطني متقدم. عطل التخصصي بقصد أو بدون قصد أحد أهم أجنحته التي كان يفترض أن يحلق بها لتحقيق الريادة الوطنية وأكتفى بالأبحاث التي تناسب مركز أبحاث كلية علوم وليس مركز ذا ريادة وطنية. أريد أن أنصح وزارة الصحة للاستفادة من مدرسة التخصصي، لكن أخشى أن يلتفت أحدهم إلي فيقول وأين هي دراساته وأبحاثة التي يمكننا الاستفادة منها؟ أشعر بأن مركز أبحاث التخصصي - رغم تقديري لزملائي العاملين فيه- يخذلني كلما دافعت عن مدرسة التخصصي، لأنه لم يواكب تطور التخصصي في المجالات الأخرى.
الجانب الآخر الذي يخفي بعض إشراق التخصصي، يكمن في عدم تجديد فكره القيادي فأصبح يدار بوتيرة عادية، حجبت القيادات الوسطية المتميزة، أو قلصت آليات ترقية المتميز والمبدع منها. فمن عجيب الأمر أن يحتفظ التخصصي بقيادات تجازوت عمر التقاعد بينما تهرب بعض كفاءاته القيادية المتوسطة لتقود بنجاح مؤسسات أخرى حكومية وأهلية. طبعاً؛ التقدير للجميع ويجب الاستفادة من ذوي الخبرات الممتدة، بعد تقاعدهم في الأعمال الاستشارية وفي دعم مؤسسات أخرى بحاجة لفكرهم، لا أن يحتفظ بهم للأبد متربعين على المواقع التنفيذية.
هل أنا أنقد المدرسة التي تخرجت منها؟ أم أريد لفت انتباه وزارة الصحة إلى خبراتها؟
الواقع أنني أفعل الاثنين معاً لأقول لوزارة الصحة هذه مدرسة، فيها الدرر والخبرات والتنظيمات التي تفيدكم. عليكم التفتيش داخلها ولا تنخدعون بتواضع الدراسات ستجدون حقيقة كلامي بأن مدرسة التخصصي لديها كنوز كبرى و لم تصدأ بعد. بل إن أحد مهامكم، بصفتكم تتولون دفة رئاسة مجلس مؤسسة التخصصي، تجديد شباب المدرسة والاستفادة من كنوزها البشرية والتنظيمية والتدريبية والمهنية.