د.عبدالعزيز الجار الله
الصراع العربي الإيراني لم يكن يوماً من الأيام تحت الطاولة، أو أجندة مرفوعة فوق الرفوف، وإن كان العرب قد اتخذوا سياسة ضبط النفس واستخدموا كل الطرق والأعراف الدبلوماسية في حواراتهم مع إيران، كونها الجارة المسلمة - الجوار الجغرافي الموغل بالقدم - والعقيدة الإسلامية المشتركة التي جمعت بينهما الخلافة الإسلامية قروناً من الزمن، لكن إيران منذ ثورتها عام 1979م وهي تستعدي العرب، حتى نشبت الحرب مع العراق لمدة (8) سنوات دمرت قوة الدولتين وقلّمت أظافرهما لكنها لم تطفئ سلوك المليشيات والحزبية المتطاولة.
ما زالت إيران تنظر إلى العرب من منظورين هما: النفس الطائفي الشيعي، والنفس العرقي الفارسي - العرقي انكسر منذ بداية الفتوح الإسلامية في القرن السابع الميلادي مع انهيار الإمبراطورية الفارسية -. إذن الفكر الإيراني السياسي لدى قيادة الثورة الحالية، يقوم على صراعين هما الصراع المذهبي والصراع العرقي، فقد سعت إيران منذ بداية ثورتها إلى جر العرب إلى هاتين الساحتين للحشد الشيعي بالمنطقة ، والحشد الفارسي الذي تراه قوة لأنها بهذا النداء تستدعي كل قوميات فارس في دول وسط آسيا تحت مظلة الدولة الإيرانية، لذا كان الرئيس العراقي صدام حسين حين كان يحاربهم رفع مظلة المجوس لفصلهم عن التشيع وفارس، فصدام لم يحارب المذهب الشيعي ولا القومية الفارسية كحضارة وعرق، ونجد القيادة الإيرانية اليوم تعيد بضاعة الأمس وتبادل الأدوار بين المذهب والعرق.
وزير الخارجية السعودي الأستاذ عادل الجبير يصل دائماً إلى الحقيقة سريعاً في كلماته لوسائل الإعلام وحواراته، ففي كلمته يوم الخميس الماضي أمام الاجتماع الاستثنائي لمجلس وزراء الخارجية لمنظمة التعاون الإسلامي، قال عادل الجبير: بلغ بحكومة إيران التحدي والاستفزاز إلى الدرجة التي يعلنون فيها، ويفاخرون، أنّ بلادهم باتت تسيطر على أربع عواصم عربية، وأنهم يدربون (200) ألف مقاتل في عدد من بلدان المنطقة. بهذا التعبير وصل الوزير الجبير إلى حقيقة إيران وما تفكر به، كونها دولة غير منضبطة وعدوانية تعيش على الصراعات مع الآخرين، فما تقوم به هو استفزاز للعرب.
منذ (37) سنة تقريباً، وهو عمر الثورة الشيعية في إيران، وهي تتعمّد استفزاز العرب مذهبياً وعرقياً، بالعودة إلى الصراع القديم بين العرب والفرس قبل الإسلام، وتعيد جدلية فارس والمذهبية، ومع تأكيدها لهاتين الجدليتين ترسخت دون وعي تلازم التشيع بالقومية الفارسية، والمذهب السني والجماعة بالقومية العربية، لكنها فشلت في الداخل الإيراني، فبعض المكوّن لمذهب السنّة والجماعة في إيران هم كتل من قوميات متعددة من: العرب والأكراد والأذار والترك والتركمان والبلوش وحتى من الفرس، وهذا يسقط الاعتقاد بتلازم إيران بالتشيع، وتلازم فارس بالتشيع.