د. عبدالعزيز الجار الله
لم يعد للعالم ذاكرة لكي يتذكر، روسيا التي عانت من حصار الحربين الأولى والثانية هي اليوم من يحاصر المدن السورية عبر أعوانها بأبشع أنواع الحصار لا تسمح بالطعام ولا الدواء بالدخول إلى مدينة مضايا التي يعيش فيها (42) ألف شخص بعد أن لجأت إليها العائلات السورية من الزبداني ومحيطها، فقد حاصرتها قوات النظام وحزب الله، كما حاصرت قرى وبلدات ريف دمشق تحت الغطاء الروسي العسكري والسياسي. تريد قتل المحاصرين ليس بالسلاح وإنما بسلاح الجوع والمرض، والعالم يتفرّج على طريقة الموت، والعالم الحر والديمقراطية والعدالة يتفرّج على موت السكان في سورية شعب بأكمله يحتضر من الجوع والفاقة والإملاق المسغبة.
أوروبا في سورية بلا ذاكرة تاريخية نسيت حروبها التي دامت سنوات راح ضحيتها في الحرب الأولى (9) ملايين, والحرب الثانية تجاوز (50) مليوناً من القتلى، ففي الحرب العالمية الأولى (1914-1918م ) غزت ألمانيا الأراضي الروسية، وفي الحرب الثانية (1939 - 1945م ) تعرضت روسيا إلى قتال شرس من الألمان حتى انتهت الحرب تعرض جنودها للقتل والحصار المرير، وقد عاشت دول أوروبا ومعها روسيا الحصار والجوع والمرض والفقر والبرد حتى الموت، والآن روسيا وقوات نظام سورية تحاصر مدن وبلدات المعارضة حتى الموت، أليس هناك دروس وعبر من التاريخ الحديث، لم يمض على وقف الحرب الثانية سوى (70) سنة والجيل الذي عاش الحرب العالمية الثانية ما زال على قيد الحياة يروي عذابات الحرب والحصار.
إذن روسيا لا تتذكر وأوروبا التي قالت بعض الإحصاءات إن قتلى الحرب العالمية الثانية على أراضيها وصل إلى (80) مليون أيضاً هي لا تتذكر وتحديداً التي تحملت ثقل الحربين فرنسا وألماني ومعها باقي دول أوروبا لا تتذكر، لا تبالي من حصار المدن السورية والموت المجاني بسبب الجوع والبرد ونقص الدواء، وحتى من يحاصر مضايا هو بلا ضمير وقد عانى الآباء أنواع الحصار والقتل زمن الاحتلال الفرنسي لسورية (1920 - 1946م) فترة الانتداب الفرنسي، حيث عاش أهل دمشق وريفها أشكال المهانة، نراهم اليوم يحاصرون ويجوّعون الريف بقصد الموت جوعاً، وهي سياسة روسية بغيضة تحاصر وتجوّع ثم تحرق الأرض وما عليها - سياسة الأرض المحروقة - وأخيراً تهجر من بقي وتفصل الأعراق والمذاهب عن بعضها وهو ما تعمله اليوم روسيا في الأراضي السورية، ومضايا واحدة من أوراق الفصل العرقي والمذهبي والتهجير.