قاسم حول
عرف المغرب بثقافته وثقافته السينمائية، فهو أكثر بلدان المنطقة اهتماما بالمهرجانات الأدبية والفنية والمهرجانات السينمائية حتى وصلت الثقافة السينمائية والمهرجانات عبر صحرائه في مدينة «زاكوره» الصحراوية.
فلقد شاهد جمهور الصحراء وجمهور مدينته الجميلة عروضاً سينمائية تنافست فيها ثمانية أفلام وهي «دموع إبليس» للمغربي هشام الجباري و»سر القوارير» للعراقي علي حنون، و»الشجرة النائمة» للبحريني محمد بو علي، و»ذيب» للأردني ناجي أبو نوار، و»حره» للتونسي محمد كمون، و»أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة» لليمنية خديجة السلامي و»سكر مر» للمصري هاني خليفة و»من الألف إلى الياء» للإماراتي علي مصطفى.
وقد اختيرت لجنة التحكيم الدولية الدولية على الشكل التالي «عبد العزيز مخيون من مصر، لاورا كافيرو من إيطاليا، قاسم حول من هولندا، سعيدة باعدي من المغرب، وحسن بنزراري من المغرب».
وقد عرض عدد من الأفلام خارج المسابقة في برنامج «بانوراما السينما» لم يقتصر المهرجان على عروض الأفلام، بل أن المهرجان حفز هواة كتابة السيناريو من الشباب على كتابة سيناريوهات سينمائية دخلت المسابقة لتعميم ثقافة السينما التي يشكل السيناريو أحد أهم ركائزها. كما عمد المهرجان إلى تكريم شخصيات سينمائية من المغرب كان في المقدمة منهم الممثل العالمي «كمال موماد» الذي سرعان ما صعد نجمه في السينما العالمية فلعب في أفلام سينمائية مع كبار الممثلين مثل «ويل فيرير» و»وودي هاريلسون» و«شاه روخان» إضافة إلى تكريم النجمة المغربية راوية هرندي والمنتج حسن بجه والممثل محمد نصرات.
حقاً أنها تظاهرة ثقافية كبرى فوجئنا ولم نفاجأ حيث يقول المثل «إذا كنت في المغرب فلا تستغرب»، فإضافة إلى التظاهرة السينمائية الثقافية فلقد استقبلت الجمهور والوفود المشاركة ولجان التحكيم فرقة فنون محلية ذات سمعة عالمية استقبلت الوافدين والمشاركين برقصات فولكلورية أضفت البهجة في نفوس الحاضرين في افتتاح المهرجان وكذا في ختامه.
كانت ظاهرة المشاهدة ظاهرة متميزة حيث جمهور المدينة يمتلك حساً في التلقي، فعمدت إدارة المهرجان إلى تخصيص جائزة لفيلم يختاره الجمهور نفسه. ومن المهم معرفة أن الجمهور الذي تشكلت منه لجنة للمشاهدة قد وقع اختياره على الفيلم اليمني « أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة» وهو ذات الفيلم الذي اختارته لجنة التحكيم ليفوز بالجائزة الكبرى للمهرجان.
في أغلب المهرجانات السينمائية العربية ثمة ما يطلق عليه «المظهرية» إذ تعمد تلك المهرجان على إضفاء البهرجة على المهرجان وغالبا ما تتدخل إدارة المهرجان بهذا الشكل أو ذاك في تسليط الأضواء على هذا الفيلم أو ذاك لأسباب كثيرة الإبداع ليس من ضمنها، ولذلك فشلت أو تلاشت بعض المهرجانات حيث تتسم بالبذخ وتختفي القيمة الفكرية والفنية الجمالية من المهرجان، فيما مهرجانات السينما في المغرب تزدهر وتتسع حتى وصلت إلى الصحراء المغربية.
وكنت أتمنى وهذا ما أقترحته على إدارة المهرجان أن يتم عرض الأفلام السينمائية في الهواء الطلق من خلال توفير أجواء المشاهدة ليتلقي شكل العرض السينمائي مع شكل المدينة وتحقيق فكرة «سينما عبر الصحراء» فمشاهدة الأفلام في الهواء الطلق وما يسمى (OPEN AIR CINEMA) هو صيغة قد تضفي على الأفلام جمالا وتتسع لجمهور كبير وتمنح تمايزاً في شكل العرض السينمائي فيتم تغيير موعد المهرجان إلى الصيف وتتحقق فكرة يتمناها المشاهدون ويتمناها المدعوون إلى المهرجان. ففكرة السينما في الهواء الطلق هي ظاهرة موجودة في مناطق شتى من العالم. وكنا في مدينتي في البصرة أيام الحقبة الملكية الجميلة نشاهد الأفلام في صالات سينما صيفية تزدهر في حرية المشاهدة تحت سماء صافية مرصعة بنجوم ذهبية يكاد المرء أن يلامسها وهو يشاهد أفلام المجتمع الأمريكي. كنت أتمنى أن تسعى إدارة مهرجان زاكوره إلى توفير هذا النوع من المشاهدة وهذا النوع من المهرجانات.
إن الأفلام المشاركة في المسابقة وأيضا الأفلام في برنامج «بانوراما السينما» كانت في أغلبها حاصلة على دعم من قبل مؤسسات ثقافية وطنية ودولية ما ساعد على توفير الجانب التقني والفني لهذه الأفلام ومنها الفيلم اليمني الذي منحناه الجائزة الكبرى للمهرجان «أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة» للمخرجة اليمنية «خديجة السلامي» حيث لعبت الطفلة «ريهام محمد» دور نجوم وأبدعت بطريقة عبقرية في تلبس الشخصية اليمنية التي دفعتها ظروف العائلة الاجتماعية والاقتصادية ودفعتها التقاليد كي ترمى في أتون مسؤوليات اجتماعية لم تكن مؤهلة لمعايشتها، فعكست ودون أن تسقط المخرجة الفيلم في «الفاجعة – الميلودراما»، عكست واقع المجتمع في جانبه المأساوي بقدرة فنية فائقة وبأدوات تعبير تقنية مكنتها من تصوير حياة المجتمع اليمني في القرى والقصبات وعكست من خلال القصة العادات والتقاليد وجسدت الشخصيات الرئيسية والثانوية ما استحقت الجائزة الكبرى في تقدير لجنة التحكيم وأيضا في تقدير لجنة جمهور زاكوره.
ظاهرة الثقافة والثقافة السينمائية هي سمة من سمات المغرب ما دفعني لتلخيص كلمتي كعضو في لجنة التحكيم بالقول «طالما الثقافة سمة المغرب فإني لا أخاف عليه ولا أخاف منه»!