صراحة يتمنى كل مبدع حقيقي أن يحظى بمطبوع من تلك التي بادرت الناقدة المصرية «صفاء الليثي» أن تصدره عن مبدعي السينما المصرية، حيث يحتوي المطبوع الأنيق (جداً) والمخرج بطريقة فنية كل ما يود أن يعرفه المتلقي عن المبدع. أول تجربتين أصدرتهما الناقدة الليثي هما عن المخرج «هنري بركات» والمخرج «صلاح أبو سيف» وهما من الذين ودعوا الحياة وتركوا لها وفيها أثراً ثقافياً يؤرّخ واقع الحياة في مصر عبر الفيلم السينمائي.
وفي الوقت الذي لا ينبغي التوقف عن هذه الإصدارات المهمة ينبغي في تقديري أن تشمل رعاية المطبوعات من قبل وزارة الثقافة المصرية (صندوق التنمية الثقافية) أو مهرجان القاهرة السينمائي، أن تشمل الأحياء من المبدعين أو المتقاعدين بسبب العمر ورغبة التأمل أو عدم القدرة على مواصلة العطاء حتى ليس فقط أن يثري المطبوع الواقع الثقافي بل أن يسعد المبدعين وهم أحياء فيرون أنفسهم في مرآة «صفاء الليثي» الصافية. لم تكن هذه الإصدارات كتباً تحليلية لنهج المبدعين من المخرجين بقدر ما هي كتب معلوماتية تطل على تاريخ المبدع وتطوره والجوائز التي حصل عليها والأفلام التي أنتجها ومناسبات التكريم التي حفل بها، وتسليط الضوء على أهم تلك الأفلام التي تركت أثراً في تاريخ السينما والثقافة السينمائية المصرية والعربية.
بدأت الفكرة حين تقرر الاحتفاء بمئوية المخرج «هنري بركات» بعد مرور مائة عام على ميلاده (1914) وذلك مقترح من الناقد الكبير «سمير فريد» الذي كلّف الناقدة «صفاء الليثي» بإعداد المطبوع حين كان الأستاذ «سمير فريد» رئيساً لمهرجان القاهرة عام 2014. فصدر الكتاب من خلال مهرجان القاهرة السينمائي.
بنفس الحجم ونفس الصيغة كلفت وزارة الثقافة «دائرة التنمية الثقافية» السيدة الناقدة «صفاء الليثي» بإصدار مطبوع عن المخرج «صلاح أبو سيف» هذين الإصدارين هما بداية ينبغي أن لا تتوقف وأنا أتمنى وأحث «دائرة التنمية في وزارة الثقافة المصرية» مواصلة إصدار الكتب المعلوماتية عن حياة المبدعين وأهم صورهم الفوتوغرافية وملصقات عن أهم أفلامهم وبيوغرافيا عن محطات حياتهم الثقافية والاجتماعية من خلال زيارة بيوتهم وذويهم كما فعلت السيدة «الليثي» وبذلت جهوداً في ألقاء الضوء على محطات إنسانية وثقافية كثيرة ربما لم تكن معروفة لدينا.
إن مكتبات العالم السينمائية حافلة بمؤلفات عن أهم المخرجين ونجوم السينما. وإن دور النشر تطبع ملايين النسخ من هذه المطبوعات وتعود عليها وعلى السينمائي بالأرباح التي تنعش دور النشر بحجم المردود حيث أن النجم السينمائي مخرجاً كان أو ممثلاً هو موضوع متابعة وفضول من قبل المتلقي لمعرفة المزيد عن النجم السينمائي وبشكل خاص الجانب غير المكشوف من حياته الإنسانية.
بالتأكيد فإن طبيعة الجمهور والقارئ العربي والأوضاع الاقتصادية للقارئ وطبيعة المطبوع وأناقته وسعره لا تأتيا بمبادرات من دور النشر لأنه مطبوع غير ربحي كما هو في الغرب، وهنا يأتي دور وزارة الثقافة ممثلة بدائرة التنمية الثقافية أو مهرجان القاهرة السينمائي لإصدار مثل هذه المطبوعات كنوع من تكريم المبدع وتأرخة حياته وبطاقته الثقافية.
أقول ليس غير الناقدة السينمائية «صفاء الليثي» قادرة بحكم تجربتها، على معرفة بتاريخ المبدعين في مصر، فهي لا تعتمد الأرشيف وحده مع أهميته الوثائقية ولكنها ذهبت لتبحث من خلال أهل المبدعين لتطل على حياتهم وتحصل على صور نادرة من تاريخهم فتستكمل الأرشفة والبحث فتصوغ المطبوع بلغة مشوقة ومركزة مع الصور النادرة أحياناً عن المبدعين.
هنا أشد على يد مصممي المطبوع وطبيعة الغلاف وجودة الصور المنشورة حتى القديمة منها. وحبذا لو تبنت جهة واحدة طبع تلك الكتب وبسلسلة ذات هوية وشكل و»دائرة التنمية هي الأجدى « والناقدة «صفاء الليثي» هي الأجدر على رصد حياة المبدعين وبالتأكيد فهي كناقدة لا شك لديها أرشيفها الخاص عن حياة سينمائي مصر ومبدعيها الذين أثروا الثقافة العربية بأفلام لا يمكن نسيانها.
هذه التجربة في توثيق مبدعي مصر من السينمائيين ينبغي أن تلحقها خطوة أخرى تتعلق بأرشفة تلك الأعمال السينمائية في «سينماتيك عربي» وفق الطرق النظامية للأرشفة وأيضا ينبغي أن تتحول تلك المطبوعات إلى سيناريوهات سينمائية بأفلام وثائقية عن هؤلاء المبدعين لتحفظ مع المكتبة السينمائية «السينماتيك» وتطبع على شرائح مرئية تهدى مع الكتاب وبذا نستكمل تعميم الثقافة السينمائية. وعسى أن يكون هذا نهجاً لكافة البلدان العربية في توثيق حياة المبدعين السينمائيين وكافة المبدعين في أدوات التعبير المتنوعة، مع أن حال البلدان العربية بشكل عام يصعب الحديث عنه الآن في خضم الأمواج المتلاطمة في بحر السياسة والثقافة العربية!
- هولندا
k.h.sununu@gmail.com