سعد بن عبدالقادر القويعي
سنكتب سطورك في دروب الحياة، وسنرسم صورتك في سراب الزمان، بعد أن امتزجت شخصيتك بالفكرة، والمبدأ، والاعتداد؛ فأخذك الموت منا، ورحلت كالعين الجارية، التى بعد ما اخضر محيطها نبضت؛ لكنك ستبقى ذكرى فى القلب للأبد؛ حتى وإن صرخ القلب منادياً بجرحٍ من الأعماق، أن ادفنوا الجرحَ في قبرٍ في الآفاق، إلا أننا سنمهر توقيعنا بختم من كتاب: «أن هذه نهايةُُ لغةِ الفراق».
كم تجليت حضورا فريدا أيها الشاب الأنيق ؛ فأوقفتنا - بعد حين - رهنا لنشيج الانكسار في خزانة الذاكرة. ولا أعتقد أن لو استطعنا استرجاعها؛ لأن نصفها يعبق بالألم، والنصف الآخر أعياه الذبول؛ لأن ماكان يبدو لنا مؤلماً وجدته مريحاً، وماكان يبدو محزناً وجدته أنت مفرحاً.
ولأنك سترحل بعيدا بمسافة القرب - ذاته -، فقد كنت قامة أنيقة ببذخ جمالك الداخلي، وببساطتك العفوية من خلال حضورك الطاغي، وأنت تعيد امتلاء المكان . فلقد كنت عنفوان الشباب، وضحكة الرجال ؛ فبك تحلو الحياة، وبقربك تتحطم المأساة، إلا أنك أبكيتنا يوم وفاتك، بعد أن أوصلتنا الدنيا إلى طريق مسدود، وانطفأت - حينئذ - شمعة كانت تضيء كل حدود.
سيسدل عليك أهلك، ومحبوك جفنهم الأخير بمزيد من الدموع، والآهات، والحسرات.
وستبكيك والدتك بكل ما ملك حبك فؤادها من اشتياق؛ لأنها أعطتك كل ما ملكت من عشق، وحنان، وأمان.
ورافقتنا في رحلة حياتنا لفترة زمنية محددة، وليس لمصاحبتنا طوال الرحلة، وعندما حان الوقت أن تدعنا، وشأننا غادرت بهدوء، واطمئنان.
اكتشفنا في رحلة الحياة أنها البدايات، ثم ما لبثنا أن شعرنا بقرب النهايات؛ ولأنك غادرتنا كدفق السيلِ بلا ميعاد ؛ فأسكنتنا من جروح القلب شوقا، ومن نزف الألم حنينا؛ فسنخرج من حناجرنا، وأعيننا دعاء ألقا، يرسم من الليل مناجاته، ومن النهار فجره، بأن يرحم الله من استوفى أجله، ومن اختار وجوده قربه، بعد أن أُغلقت صفحته من سجل الحياة، ولم يبق بيننا، وبينه الا الدعاء: بأن ينوّر الله مرقدك، ويعطر مشهدك، ويطيب مضجعك، ويؤنس وحشتك، وَينفّس كربتك.