سعد بن عبدالقادر القويعي
عندما يصيح - رئيس الوزراء البريطاني - ديفيد كاميرون، في وجه منظمات حقوق الإنسان في العالم بعبارته الشهيرة، التي قال فيها: «عندما يتعلق الأمر بأمن بريطانيا، فلا يحدثني أحدٌ عن حقوق الإنسان»، فهذا دليل قاطع على أن مفهوم الأمن الوطني للدول، قد أصبحت معالمه محددة، وواضحة في فكر، وعقل القيادات السياسية، والفكرية في كثير من الدول المتقدمة. وهو دليل - أيضاً - على أن التهديدات التي تؤثر على الأمن الوطني لا تأتي من الخارج - فقط -، بل قد تنبع من الداخل.
مقولة رئيس وزراء دولة تُوصف دولته، بأنها: «أم الديموقراطية في العالم»، هي ترجمة حقيقية لمفهوم إدراك التهديدات، - سواء - الخارجية منها، أو الداخلية، وقد تكون التهديدات الداخلية للأمن الوطني مرتبطة بعوامل خارجية. ولا غرابة - حينئذٍ - أن تسعى الدول للحفاظ على أيديولوجيتها، ونسقها القيمي - بشكل كبير -؛ نظراً لما يعنيه المفهوم من دلالات تتعلق بالواقع السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والبيئي، والأيديولوجي.
إن الخوف بالمفهوم الحديث، يعني التهديد الشامل للدولة الداخلي منه، والخارجي، - ولذا - فهو عند القياس إنما يُقاس بالقدرة كما يُقاس بالقوة؛ ليعالج مكونات حياة الأمة، والدولة - المادية والمعنوية - على المستويين - المتوسط والبعيد المدى -، وذلك من خلال تحديد الغايات الوطنية للدولة، - إضافة - إلى أنه متغير لقدرته على توجيه الدولة نحو البناء الإيجابي، متحدياً ثوابت التاريخ، والجغرافيا السيئة. ويمكن القول: إن مفهوم الأمن الوطني أصبح جزءاً من منظومة متكاملة لثقافة الإستراتيجية، التي تعيد صياغة نظرية الأمن الوطني، وهو ما لمسناه من عدالة إقامة الأحكام القضائية القطعية - قبل أيام -، والتي قضت بتنفيذ حكم القتل بحق «47» شخصاً من الفئة الضالة؛ لارتكابهم أفعالاً موجبة للقتل، تمخض عنها قتل نفوس معصومة، وترويع الآمنين، واستهداف البنى الاقتصادية للوطن. - ولا شك - أن اتخاذ كل التدابير التي من شأنها حماية الأمن الوطني الداخلي، بقدر ما هو شأن داخلي، وحق أصيل، وسيادي للمملكة، إلا أنه يمثّل - في نفس الوقت - رسالة رادعة، وقوية للجماعات الإرهابية، - سواء - داخل المملكة، أو خارجها.
لا بد أن يكون واضحاً منذ البداية، أن الأمن الوطني يحتاج إلى حراك دائم على كافة المستويات؛ فقوامه الدراسات الإستراتيجية المبنية على استقراء الماضي، ومراجعة الحاضر، واستشراف المستقبل. وعماده تعزيز قاعدة تحديث كل الفعاليات، وتحديد الأولويات؛ انطلاقاً من المبادئ التي تدين بها الدولة، ولا تتعارض مع المصالح، والمقاصد المعتبرة، والعمل - كذلك - على حمايتها، والمحافظة على بقائها، ووجودها بجانبيه - الداخلي والخارجي -.
إن طبيعة محددات البيئة الأمنية أفرزت تهديدات، وتحديات أمنية معقدة؛ الأمر الذي يتطلب التعامل مع التهديدات الأمنية القائمة من مستوى الأمن القاعدي، أو المصلحة الوطنية القاعدية. وكل ما أفرزه الواقع المعاصر من تداعيات خطيرة على الأمن الوطني، على غرار تحديات التهديدات الإرهابية، والجريمة المنظمة، وما لحقت بهما من أضرار جسيمة، سيشكّل بداية حازمة لإمساك رؤوس الفتنة؛ من أجل تحقيق مشروع حماية الأمن الفردي، والوطني.