د.محمد الشويعر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الصادق الأمين، نبينا محمد الذي أرسله ربه رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
قال الله تعالى في كتابه الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ، (سورة النساء الآية 59)، وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: ((على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)) متفق عليه.
البيعة عبادة يُبتغى بها وجه الله تعالى، وهي: عقد والوفاء به عهد؛ ومعاهدة على السمع والطاعة في غير معصية الله، وقربة إليه سبحانه، واعتقاد وقول وعمل يعطي العهد بالسمع والطاعة في المنشط والمكره، قدر المستطاع في غير معصية الله، ولا تعقد إلا لمن يُعلم أن له يداً قوية تحكم الدولة فيؤمن السبل ويعصم الدماء ويحفظ أموال المسلمين وأعراضهم .
ومن ثمرات البيعة لزوم السنة والجماعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس أحدٌ يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية)) متفق عليه
قال العلامة سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله تعالى: إن ولاة أمورنا حريصون على إقامة الحق، وإقامة العدل، ونصر المظلوم، وردع الظالم، والحرص على استتباب الأمن، وعلى حفظ نفوس المسلمين ودينهم وأموالهم وأعراضهم، فيجب التعاون معهم على الخير وعلى ترك الشر، ويجب الحرص على التناصح والتواصي بالحق حتى يقل الشر ويكثر الخير، ويجب على الإنسان أن يجعل له إماماً، ولا يحل لأحد أبداً أن يبقى بلا إمام؛ لأنه إذا بقي بلا إمام بقي من غير سلطان، ومن غير ولي أمر، والله -عزَّ وجلَّ- يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ، بل ويجب الدعاء لهم بالتوفيق والهداية وبصلاح القلب والعمل وصلاح البطانة، وهي من أهم المهمات، وأفضل القربات، وقد روي عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: ((لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان))، ويروى ذلك عن الفضيل بن عياض رحمه الله.
فالمسلم لا يغتر بغيره من «الخوارج» بقراءتهم للقرآن، ولا بطول قيامهم في الصلاة، ولا بدوام صيامهم، ولا بحسن ألفاظهم في العلم؛ لأن ذلك يفضي إلى الفوضى، وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع؛ لأن هذا من جهله، وعدم بصيرته.
فوطننا حماه الله «المملكة العربية السعودية» منهجه الإسلام ودستوره القرآن، ونظام الحكم مستمد من الوحي وعمل السلف الصالح رضي الله عنهم.
فبحمد الله كثيراً تمت في سنوات عديدة ومتفرقة بيعات لملوك وحكام هذه البلاد حماها الله وأدام عزها، في غضون يومٍ واحد أو في بضع ساعات حتى صارت البيعة حدث الساعة وحديث العالم كله، حيث صار العالم يتابع عبر قنوات التواصل المرئي والمسموع أنباء هذه البلاد المباركة، بنظرة غبط، وهم يسارعون إلى بيعة عهد وتأييد لمليكٍ جديد، في مقر البيعة «قصر الحكم في الرياض»، وتحت أساس قوي بناه مؤسس هذه الدولة الملك عبدالعزيز «طيب الله ثراه» لأبنائه من بعده، وهو أن يكونوا على قلب واحد، ويداً قوية واحدة .
وفي بعض الدول تراق الدماء ويتسلط الغواة، كلما مات رئيس أو قائد وينشأ ما يسمى بالفراغ الدستوري، الذي كثيرا ما يكون سبباً للفتـن والقلاقل والقتل والسلب والنهب، وفيه يحصل الفساد، ومن تأمل حال بعض الدول المجاورة عند وفاة زعيم أو قيام ثورة، فحدث ولا حرج عن الاعتداءات على الأنفس والأعراض والأموال.
ولك أن تسأل أخي القارئ عن حال البلدان والشعوب العربية المجاورة وعن قيام الثورة فيها، وأنها لم تقم إلا بسبب الفتن وانتماءات لفرق وأحزاب سياسية وجماعية.
ولهذا احتفى وطننا الغالي قبل أيام بذكرى مرور عام على تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله - مقاليد الحكم في البلاد، وانتقال السلطة في تلك الفترة بسلاسة وحكمة وتدبر وتأييد كبير من هيئة البيعة، ولمن له أمر على المسلمين.
وقد وسم عهد سلمان بن عبدالعزيز «حفظه الله» بعهد التصدي والتحدي بكل قوة لمن أساء للدين والأمن والمواطن، فله بعد الله اليد الطولى في شد الحزم والجزم والحرب على من يعبث بممتلكات الوطن، وحماية حدوده، وما قام به من حفظه الله من تحالف عربي وإسلامي، ومواجهة أطماع العدو الفارسي بتدخله في شؤون المملكة الداخلية والحدودية التي ليس له علاقة بها، وتصغيرهم أمام أنظار العالم، وموقفه في إعادة الأمة العربية والإسلامية لهيبتها، في مختلف السياسات، في خطوة اتسمت بالكثير من الشجاعة والصرامة، والوقوف في وجه من تسول له نفسه المساس بالأمة الإسلامية، وقطع العلاقات معهم.
فعام سلمان الحزم هو عام حضور المملكة في المنظومة الدولية، وعام البناء، وتنويع مصادر الدخل، والتحول الوطني، ومواجهة الإرهاب، وهو بحق عام رفعت فيها الزعامة العربية والإسلامية رأسها، وهو عام الأفعال قبل الأقوال، عام التيسيير، فيه الحياة الكريمة على المواطن والمقيم، عام استـتباب الأمن واستقراره، ورفع مستوى المعيشة، والرقي والحضارة، وحفظ حقوق الإنسان وكرامته، والمحافظة على الوطن وحدوده وأمنه، والذود عنه بالأرواح والأنفس، والتشديد على كل من تسول له نفسه العبث بمقدرات الوطن، فساداً، وإرهاباً، وخروجاً عن المألوف، وكذلك عنايته حفظه الله بكل ما يشغل المسلمين من أمور في مشارق الأرض ومغاربها بالدفاع عن الحق الإسلامي، والحق الإنساني «وكلنا فداء لهذا الوطن».
وذكرى البيعة قصة تحاكي القصة التأسيسية لهذا الوطن الذي أُسس على التوحيد، ومتـثال لأوامر الله واتباع سنة رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، فوضع الملك المؤسس عبدالعزيز «طيب الله ثراه» منهجاً قويماً يسير عليه أبناؤه الكرام من بعده وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان الحزم «رعاه الله وحفظه من كل شر ومكروه» .
وما أنعم الله به من نعم كثيرة على هذه البلاد وما تعيشه من أمن واستقرار على النهج الإسلامي، بفضل الله -عزوجل- ثم بفضل التلاحم والترابط بين الشعب السعودي الوفي الأصيل والقيادة الحكيمة، وهو ما يجعل هذه ذكرى للفخر والاعتزاز بقيادة حكيمة لوطننا الغالي وتجسيداً لمشاعر الوفاء، وصدق الانتماء لهذا الدين، ومكانته في إحقاق الحق وإبطال الباطل.
ولا يفوتني في ذلك التأييد لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، وأسأل الله تعالى لهما التوفيق والسداد، وأن يكونا خير عضد لخادم الحرمين الشريفين في كل مساعيه.
فنحن في ملحمة عظيمة.. لبناء وطن.. ومصدر فخر للملكة.. في حكم ملك الحزم.