د. عبدالواحد الحميد
اقتصادنا السعودي يمر بظروف صعبة، في هذه الفترة، كما هي حال اقتصادات عديدة تعتمد على تصدير النفط. هذه حقيقة لا يمكن إنكارها، لكن ما نقرأه في بعض الصحف العربية والأجنبية غريب ومليء بالمبالغات لدرجة قد تصيب بعضنا ممن لا يعرف الحقيقة الكاملة بالهلع، فهذه الصحافة تصور الوضع الاقتصادي عندنا كما لو أننا في بلد على وشك أن ينهار ويذوب كفص ملح وعن شعب على وشك أن يحزم حقائبه بحثاً عن بلد آمن غير السعودية.
لن أتحدث عن نظرية المؤامرة، ولن استشهد بمقولة: «كل ذي نعمة محسود»، ولا عن الدوافع الخفية أو النوايا السيئة التي تحرك بعض من يهولون الأمور عندما يكتبون عنا، فهذا ليس كل ما في الأمر وليس بالضرورة هو كل القصة، وأنا أجزم أن بعض من يكتبون هذا الكلام يظنون أننا فعلاً في حالة من السوء إلى درجة أننا على وشك الانهيار والتلاشي ولا دخل لتحليلاتهم بنظرية المؤامرة ولا بغيرها مما يدخل في خانة النوايا السيئة، لكن المعلومات التي يتم تناقلها من صحيفة إلى أخرى ومن كاتب إلى آخر تتدحرج وتكبر وتصاب بالورم السرطاني الذي يجعلها معطوبة، وبعض من يكتبون ينطلقون من معلومات معطوبة فعلاً، وقد شاهدت أحد الكتّاب العرب يتحدث عبر قناة تلفزيونية عربية ويقول إن الاقتصاد السعودي دخل في نفق مظلم، وراح يتحدث ويحلل معتمداً على معلومات أبعد ما تكون عن الدقة ويستنتج - على ضوء ذلك - بأننا في حالة مزرية حتى ظننت أنه سيقول إن الاقتصاد الصومالي، مثلاً، أفضل حالاً من الاقتصاد السعودي!!.. ولا أستبعد أن يأتي كاتب آخر ويكتب، متأثراً بما سمع، فيزيد على ما سمعه، ثم تتدحرج كرة الثلج وتكبر مرة أخرى!
لكننا نحن الذين عشنا تذبذبات أسواق النفط وأحوال الكساد والرواج في اقتصادات العالم أصبح لدينا من الخبرة والتجربة ما يكفي أن نعرف أن هذه الحالات تأتي وتذهب ثم تأتي وتذهب مرة أخرى! أما الذين يكتبون على الدوام عنا بسلبية وبروح الخصومة فهؤلاء نحن نعرفهم ولن يرضوا عنا بصرف النظر عما نفعل وبصرف النظر عن نجاحاتنا وإخفاقاتنا.
نعم لقد انخفضت أسعار النفط انخفاضاً فادحاً، ونعم كان علينا أن ننجح خلال السنوات الماضية في تنويع مصادر الدخل الوطني، لكن هذا يختلف عن القول إننا ننهار وإن الدنيا قد أظلمت في وجوهنا وإنه لم يتبق أمامنا سوى البحث عن ملاذات آمنة خارج وطننا!!
ويستطيع كل من يملك كمبيوتراً شخصياً أو حتى هاتفاً جوالاً ويبحر في عالم «جوجل» أن يعرف أن حجم الناتج المحلي الإجمالي السعودي ضخمٌ جداً، وأن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي متدنية جداً، بل هي من أدنى النسب في جميع اقتصادات العالم، كما بوسع أي متصفح لـ»جوجل» أن يعرف المؤشرات الاقتصادية الرئيسة في الاقتصاد السعودي، ويتأكد أنه أبعد ما يكون عن الانهيار.
ولكن مرة أخرى، يجب أن نلوم أنفسنا عندما تأخرنا في تنفيذ خطط التنمية الخمسية التي ظلت تؤكد على ضرورة تنويع القاعدة الاقتصادية. هذا صحيح بكل تأكيد، ولكنه يختلف عن القول إن آفاقنا مسدودة وإننا نغرق.
واقع الأمر أن بعض ما يُكتب في الصحافة العربية وحتى العالمية بعيدٌ عن المهنية، وهو مجرد أصداء لآراء تُقال هنا وهناك، ثم يتم تداولها كما لو كانت حقائق غير قابلة للنقاش.
يجب أن نصحح مساراتنا الاقتصادية، ويجب أن نحث الخطى للرقي باقتصادنا وببلادنا، وأن نعمل جاهدين لرفع إنتاجية المواطن السعودي وإنتاجية الاقتصاد السعودي وأن نحارب الفساد ونتعلم من التجارب التي مررنا بها ونتجنب الوقوع في نفس الأخطاء مرات ومرات.. ولكن لا وألف لا للإحباط والتيئيس وحفلات الشماتة واللطم.