د. عبدالواحد الحميد
جاءت قصة رجل الأعمال المشهور الذي قيل أنه استولى على جزء من رصيف أحد الشوارع في مدينة جدة لتؤكد مرة أخرى أهمية الإعلام الجديد، وربما أيضاً لتؤكد الانحسار النسبي للإعلام التقليدي.
فالمُلاحَظ هو أن تطورات القصة في جانبها الشعبي بدأت عندما سجل رجل الأعمال المشهور مقطع فيديو ينتقد فيه الناس ويتهمهم بـ»الدلع» ويطلب منهم الكف عن «ذلك لدلع» في سلوكهم وتطلعاتهم الاستهلاكية. وقد رآه الناس، بشحمه ولحمه، وهو يتحدث من قصره الفاخر بمجاهرةٍ جرحت شعور الكثيرين. ثم تطورت القصة مرة أخرى عندما ظهرت مقاطع ثانية وثالثة توضح مدى الرفاه الذي يتمتع به رجل الأعمال وما يحتويه قصره من أثاث ورياش مما يتناقض مع فحوى الرسالة التي حملها المقطع الأول الموجه لعموم الناس الذين بينهم الفقير ومستور الحال ومن يسكن في بيت متواضع مُستأجر، أما بقية تطورات القصة فهي معروفة، حيث قامت الجهات الحكومية الرسمية بإزالة امتدادات مدخل قصره على رصيف طريق الخدمة المحلية، بالإضافة إلى ما جرى الحديث عنه من إجراءات أخرى.
تفاصيل تلك القصة وما صاحبها من صخب وما قيل من كلام صحيح ونصف صحيح وغير صحيح تناوله الإعلام الجديد بكل صراحة ووضوح وبلا رقابة، فاستمع الناس وقرأوا ورأوا كل التفاصيل والآراء التي تدين رجل الأعمال وتلك التي تدافع عنه وكذلك الأصوات التي كانت تتساءل: «ألا يوجد في البلد سوى هذا الولد؟».
لم يكن الدور اللافت للإعلام الجديد مقتصراً على «التنبيش» في تفاصيل تتعلق برجل الأعمال الذي كان قد تبرع من تلقاء نفسه بتسجيل المقطع الذي اتهم فيه الناس بما أغضبهم فَجَرَّ على نفسه كل هذه المتاعب، وإنما أيضاً كان اللافت أن الإعلام الجديد دخل في تفاصيل التفاصيل بمنتهى الصراحة، أي بأسماء الأشخاص والمواقع والأماكن والتواريخ والصور.
مقابل ذلك كان الإعلام التقليدي متحفظاً، وعندما دخل في الموضوع كان دخوله متأخراً، ولم يذكر اسم رجل الأعمال سوى أنه «رجل أعمال مشهور» -مثلما أفعل أنا هنا في هذا المقال- لأسباب تتعلق بالموروث الرقابي لهذا الإعلام التقليدي.
هنا، يتجدد السؤال: هل أن انحسار موقع الإعلام التقليدي على الساحة الإعلامية قد بدأ يتسارع بوتيرة تفوق كل ما لمسناه سابقاً بعد أن كان السؤال في السابق هو هل بدأ الإعلام التقليدي بالانحسار؟.. وربما أن السؤال الأهم هو: هل أن الغياب التام للرقابة هو في صالح «الحقيقة» دائماً أم أنه قد يؤدي أحياناً إلى الخلط بين «الحقيقة» و»الإشاعة» ويفتح المجال لتصفية الحسابات الشخصية بين الناس وذلك في ظل غموض أنظمة الجرائم المعلوماتية والبطء الشديد في إجراءاتها؟.. لا أظن أحداً يأسى على الرقابة المتزمتة المتجهمة لكنني لا أعتقد أن احداً يرحب بالحُريَّة المطلقة.