سمر المقرن
بعيداً عن صحة الخبر من عدمه، سأتناول ما يتعلَّق بشأن التصنيفات العالمية للجامعات السعوديــــة، وسأحسن الظن بهـــا واستبعد - مؤقتاً - قيام إحداهن برشوة أحد المعاهد الأسترالية بهدف رفع تصنيفها الدولي وفقاً لما جاء في الخبر المتداول الذي لم يذكر اسم الجامعة المتَّهمة، ما يجعلنا مضطرين إلى التريّث والتثبّت، وانتظار إصدار الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة» بياناً حول ذلك. خصوصاً أن الخبر يفيد بأن الهيئة - وفقاً لمصدر خاص - اكتشفت قيام إحدى الجامعات السعودية بدفع أكثر من مليوني دولار لذلك المعهد، الأمر الذي اعتبرته فساداً وهدراً للمال العام، ما دعاها إلى مخاطبة وزارة التعليم للرد على هذه التجاوزات المالية التي تأتي امتداداً لتجاوزات أخرى لدى الجامعة ذاتها.
الجامعات السعودية ومنذ أعوام عدة مضت، لديها «هوس» في ما يتعلَّق بالتصنيف العالمي، وهذا الهوس متفاوت فيما بينها، المهم أنها تسعى إلى الحصول على ترتيب متقدم في التصنيفات العالمية المعروفة مثل «شنغهاي» و»بيوماتريكس» وغيرهما، وهذا بالتأكيد حق مشروع لها ويعكس - شكلياً على الأقل - حرصها على إبراز اسمها بين الجامعات العالمية المرموقة، وإبرازه على الخارطة الأكاديمية الدولية، لكن هل جامعاتنا تحرز تقدُّماً حقيقياً على المستوى العلمي والأكاديمي؟ وهل يظهر ذلك جليّاً على مستوى مخرجاتها الطلابية وبيئتها التعليمية؟ أم أن الأمر يقتصر فقط على «تلميع» المظهر وتجاهل الجوهر؟
في ظني أن الجامعات السعودية الحكومية والأهلية الـ34 بحاجة إلى جهود كبيرة لتطوير إمكاناتها وتحسين برامجها ومقرراتها لتصبح متناسبة مع التطورات العلمية المتسارعة في مختلف التخصصات، فإذا تحققت هذه الأولويات فإن التصنيفات هي التي ستبحث عن الجامعة وليس العكس، فالاهتمام الأساسي يجب أن ينصب على الطلبة أولاً من خلال تهيئة البيئة الأفضل لهم من حيث أعضاء هيئات التدريس المؤهلين والقادرين على التغذية الفكرية الإيجابية وتوفير الخطط الدراسية المتجددة وليست المستقرة على حالها منذ أعوام، إلى جانب إيجاد الأنشطة المتنوعة الفعَّالة التي يجدون فيها أنفسهم، حتى لا يقتصر المكان على أساليب تلقينية تقليدية داخل القاعات الدراسية.
إن هوس تسجيل الحضور في التصنيفات العالمية تسبَّب في تأخر عدد من جامعاتنا عن مجاراة نظيراتها الجامعات العالمية، فالتميّز ليس مجرّد استقطاب بعض الباحثين الحائزين على جوائز عالمية بمبالغ وقدرها حتى يُقال أن لدى هذه الجامعة أو تلك باحثاً معروفاً، وليس الاستعراض بتصنيع «سيارة» بات مصيرها مجهولاً، وليس التغنّي بإنجازات ورقية لا نجد لها تطبيقاً على أرض الواقع، وإنما التميّز يتمثّل في بناء عقول مفكّرة ونيّرة قادرة على تقديم الإضافة والفائدة في جميع المجالات، ودعمها وتحفيزها بالشكل الأمثل الذي يدفعها نحو الإنجاز، وكذلك تمتد عملية البناء في العمل الجاد على ضخّ الطاقات والكفاءات في سوق العمل، وبالتالي الإسهام في تحقيق مزيد من النهضة والرقي للوطن.
آن الأوان لوضع حد لركض الجامعات خلف الأضواء التي لا تسمن ولا تغني، ودفعها نحو تفعيل خطط وبرامج إستراتيجية قصيرة وطويلة المدى ينجي ثمارها الوطن والمواطن، أما بشأن شبهة الفساد التي تحيط بتلك الجامعة، فأظن أن الجهات المعنية مطالبة بالإيضاح والمحاسبة عاجلاً غير آجل!