د. حسن بن فهد الهويمل
[إيران] تمارس أدواراً مغرضة، بالأصالة، والإنابة، تخدم أهدافها: التوسعية، والطائفية، والعداوة للعنصر العربي.
مشروعها ليس وقفاً على تشييع العالم. وإن كان جزءاً مهماً في قائمة أطماعها. والتشييع المجوسي يختلف عن التشيع العربي.
إن بإمكانها التعاون مع الشيطان، لتحقيق [أجندتها] الخفية، وهي قد ناصرت الدولة المسيحية على الدولة الشيعية، حين لم تكن مصالحها مع الشيعة.
والمظاهرات التي مورست ضد المملكة في [طهران] و[مشهد] وإحراق سفارتها لم تكن ردة فعل شعبية، وإنما هي تدبير مخابراتي. فإيران تحكم شعبها بالحديد، والنار، والتصفيات. ولا يمكن ممارسة أيَّةِ ردود أفعال شعبية، دون تنظيم، ومباركة منها.
وما فعلته إيران تجاه المملكة بعد تنفيذ الأحكام الشرعية بحق الإرهابيين دليل على أنها دولة عصابات، ضالعة في إفساد العالم العربي، ومساندة الفوضى الهدامة، ومباركة كل العمليات المخلة بالأمن الإقليمي.
وهي لكي تُهَيِّج العواطف الطائفية، فقد افْتَرت الكذب، وادعت أن أحكام الإعدام نفذت بحق الطائفة الشيعية فقط. وأن المحكومين كُلَّهم من الشيعة.
إيران تتدخلُ بَشكل سافر في كافة الأوضاع العربية. لا تساعد متضررين، ولا تستقبل لاجئين، ولا تتعرض لأعمال إرهابية. وهي ضالعة في كل مفسدة.
ولم يبق والحالة هكذا إلا أن يُفْتح ملفها، ليتعرف العالم الغبي، أو المتغابي على ما هي عليه. وأن تتخذ الأمة العربية قراراً حازماً، يردعها. ويوقفها عند حدها، ويلقنها درساً يحول دون تماديها في الإيذاء.
لقد فاجأت المملكةُ [إيران]، والعالم بقرارها القوي، والشجاع، المتمثل بقطع العلاقات [الدبلوماسية]، وسائر العلاقات. وهي بالتأييد العربي، والإسلامي، والعالمي كسبت الجولة.
والمملكة دولة محورية، لها أعماقها الإسلامية، والقومية، والاقتصادية. ولها علاقاتها التاريخية مع دول العالم. وهي حين تُقَدِّم خيار التسامح، والتغافل، فإنَّ ذلك لا يعد مؤشر ضعف، أو تردد.
لقد اتخذت المملكة قرارات قوية، فاجأت بها العالم. واضطرته إلى التأييد، أو لزوم الصمت، واللجوء إلى الحياد.
وما كان بود أحد أن تمضي المملكة باتخاذ القرارات الصارمة بحق إيران، لولا أنها حملتنا كرها على ركوب الأسِنَّة : -
[إِذَا لَمْ تَكُنْ إِلاَّ الأَسِنَّةُ مركباً... فَمَا حِيْلَةُ المضْطَرِّ إِلاَّ رُكُوبُها].
وواجب العالم العربي أن يكون عضداً، وظهيراً لإجراءات المملكة، فقراراتها مدروسة، وممحصة. وهي بلا شك الخيار الأنسب.
والشجب المتخاذل، أو المداري، أو المتحفظ لا يخدم مصالح الأمة العربية إقليمياً، وعالمياً.
لقد كان من واجب الأمة العربية أن تمارس نفوذها، وأن تحمل حلفاءها على اتخاذ مواقف حازمة من هذه الخروقات.
لقد نددت [سلطنة عُمَان] - على سبيل المثال - ببيان مُتأخر، وخجول. وهي دولة خليجية، مدعومة من دول الخليج. ومصير الخليج مرتبط بمصير المملكة. كما تحفظت [لبنان]، وهي ربيبة نِعَم المملكة.
و[إيران] بهذا التمادي، لا تردعها إلا القوة، والقرارات السيادية الصارمة،التي تعري تصرفاتها الهمجية، وتحرجها أمام الرأي العام العالمي.
إن من أوجب الواجبات على الزعامات العربية مقاطعة إيران سياسياً، واقتصادياً، والتصدي لها في كل المحافل الدولية، وتحجيم أثرها بالتكتل العربي، والحملة الإعلامية العربية المنظمة. ولا سيما أن سائر المنظمات العالمية تفقد المصداقية، وتفتقر إلى المواقف الإِنسانية.
وحين لا تكون المواجهة العسكرية هي الخيار الأهم، فإنَّ هناك خيارات سلمية، ستضع إيران بحجمها الطبيعي. وهو حجم لا تملك معه القدرة على المساس بمصالح دول المنطقة. فما عاد هناك مجال للتردد.
والأهم بعد استكمال الأهلية احتواء الشيعة العرب، وتمكينهم من فهم النوايا المجوسية، ومحاولة بعث الثقة، والاطمئنان في نفوسهم، وتقوية ثقتهم بالأخوة العربية، والإسلام المتسامح.
الأمة العربية تمتلك قدرات [لوجستية] لو جُمِع شتاتُها، وأحسن تصريفها لحجَّمت قدرات إيران البهلوانية. وأنهت لعبها، وتدخلاتها.
وإعلامنا العربي بعجزه عن المواجهة بالمثل، وتشتت اهتماماته، يحمل شطراً من المسؤولية.
ولعل الأحداث الأخيرة التي واجهتها المملكة بالحزم، والعزم تنهي حالة التردد، والحذر عند أمة نسيت منجزاتها التاريخية.
المشرق العربي لا تُعَدُّ الطائفيةُ فيه، ولا أي مكون سكاني مشكلة أولية. [الشيعة] تعايشوا مع [السُّنَّة] منذ أربعة عشر قرناً. وتبادلوا معهم الاحترام.
و[الأحلام الصفوية] و[العنصرية الفارسية]، و[الحقد المجوسي] هي الثالوث البغيض الذي برع في توظيف الطائفية، واستغلالها، لإثارة الفتن، وتفكيك الجبهات الداخلية في الدول الخليجية. والمغفلون من شيعة الخليج تلقوا هذه اللعبة بغباء، وتبعية مُغَرَّر بها.
ما نوده لأمتنا المرتبكة - كخطوة أولى - تحييد الطائفية، واستحضار الإسلام بكل شموليته، واستيعابه، وتسامحه، وقبوله للاجتهاد المخطئ ابتداء، والمصيب بقبول حسن. هذا المنهج سيقطع ذنب الأفعى، وسيتبع رأسها الذَّنَبَا. فالزمن زمن الكليات، لا زمن المذهبيات، ولغة التفاوض، والإعلام البارع، لا لغة التصادم، والإعلام المتردد المتخاذل.
وإيران لا تملك إلا ورقة الطائفية، والمخادعة، على الرغم من أن مكوناتها السكانية تشكل عبوة ناسفة. فهناك عناصر، وطوائف [أذربية] و[بلوش] و[ عرب] و[أكراد] و[فرس] و[سنة] و[شيعة]. وهي محاطة بدول تناقضها طائفياً، وعرقياً، وفارسيتها المتعالية، وآثرتها تحول دون نفوذها. لو فتح ملفها باحترافية.
وفي ظل التمادي في الغي، والتضليل، فإنَّ من حق العالم العربي وواجبه أن يفتح ملف المكونات السكانية الإيرانية. كي تعيش الفوضى التي تعيشها الأمة العربية.
[إيران] لما تزل دولة انقلابية، تَدَّعي الثورية. وهي بهذه الروح لا تحسن الجوار، ولا تقيم وزناً لمتطلبات المجتمع المدني. ووسيلتها لإثبات وجودها المظاهرات الغوغائية التي تدبرها، وترعاها، وتنتهك من خلالها العهود، والمواثيق العالمية.
ودولة هذه سيرتها تُجْهَضُ أطماعُها بالتكتل العربي، الذي يضعها أمام مقترفاتها. فهل من مُدَّكِر؟.
أطماع إيران أكبر من حجمها، ومن إمكانياتها. وهي لم تُفِقْ بعد، ولم تعرف قدرها في المشاهد العربية، والإسلامية، والعالمية.
وحين نقول بإنها دولة ثورية، فهذا من باب التجوز. وإلا فالثورة تختلف عن الانقلابات العسكرية [الدكتاتورية] الدموية.
إيران الحديثة ولدت من رحم الانقلابات الطائفية العنصرية. وهي بهذه السمة لا يمكن أن تمتلك مقومات الوجود الكريم.
الإشكالية أن الغرب لن يفرط بإيران، لأنّها حليف مجازف، ومُتَلَوِّن. وهو في الوقت نفسه لن يمنحها فرصة التفوق على الأطراف الأخرى.
وإذا لم تعِ إيران فداحة اللعبة الكبرى، فإنَّ على الأمة العربية أن تعيها، وأن تبادر الحلول المستَحْضِرةِ لكل المعادلات الصعبة.
سيظل الغرب يحافظ على [بعبعه] كي يهش به قطعانه، ويضعها في الحجم المقدور على أطره، وحيث تتحقق مصالحه.
وعلى الأمة العربية لكي تدير أزماتها باحترافية أن تفهم قواعد اللعب الكبرى، وأن تحسن مجايلتها.
الأمة العربية من واجبها، وبإمكانها أن تتوفر على علاقات مُطَمْئِنةٍ للغرب، وعلى قوة رادعة، تضع إيران في حجمها الطبيعي.
إن هناك قواسم مشتركة بين مفردات الحضارة الإِنسانية، والحضارة الإسلامية. ومن الخير للأمة العربية أن تستغل هذه القواسم، وأن تجتهد في استثمار البعد الإِنساني في الإسلام، لتحقيق مبدأ السلام في الإسلام.
وليس من مصلحة المنطقة أن تظل هكذا في حروب سجال، لا يوجد فيها منتصر، ولا مهزوم.
مصلحة الأمة العربية أن تحسم المواقف، بحيث لا تَرِمُّ أشياؤها على فساد. وأن ترسم لنفسها [خارطة طريق] تعيد إيران إلى داخل حدودها، وتعالج كافة الأوضاع غير السوية، التي تعيشها الأمة العربية.
يجب عليها أن تستبعد، أي خطاب يثير الغرب، أو يحمله على خيار حفظ التوازنات في المنطقة، وإدامة النزاع.
كما يجب توفير الأمن، والاستقرار لشعوبها بكل مكوناتها. وتمكين دول المنطقة من التوفر على متطلبات العيش الكريم. لا نريد أن يكون خطابنا متلبساً بتصدير [الأيديولوجيات]، أو إكراه الناس على ما نريد.
التعايش السلمي كما يريده الإسلام : - {وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}. هو مطلب العقلاء، والمجربين.
الشحن الطائفي، والتصعيد العدائي، ونقض العهود، والمواثيق مخالفات، تدل على التخلف الحضاري، والتصرف غير السديد، وغير الرشيد، وتلك خليقة إيرانية، استطاع الغرب استثمارها، لتوهين كافة الطرائد، بما فيها إيران.