د.ثريا العريض
حين نقف، ولو بالصدفة، أمام مرآة نجد أنفسنا نعدل تعبير وجوهنا أو ملابسنا أو تبعثر خصلات شعرنا. المرآة صديق صادق لا يمالئنا ولا يسخر منا.
أشرت في مقالتيّ السابقتين، إلى أننا بحاجة إلى إعلام داخلي وخارجي يستقطب الثقة عبر توخي المصداقية. ونحن لسنا في حاجة إليه لتحسين السمعة أو تجميلها، بل لتعديل الصورة النمطية التي رسمت لنا بقصد من بعض الجهات، وتلقتها بغير قصد جهات أخرى تفتقد المعلومة فرسختها.
وتعديل المعلومة لا يتم فقط عن طريق الفضائيات المرئية والمسموعة، بل هناك أيضاً تصرف بعضنا بتطرف أو تخلّف جاهل، سواء في بلادهم أو في بلادنا. وحضور بعضنا مناسبات رسمية وعلمية يتطلب ما هو أكثر من العلم.
أذكر من حوار حميم مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله رحمه الله، ونحن مجموعة منتقاة من المثقفات التقى بها بطلب منه ليطلع على ما يجري في مؤسسات الوطن خارج نطاق معايشته الشخصية، وتم بعيداً عن كاميرات الإعلام الداخلي والخارجي على السواء؛ قال: «أنتن كأشقائكم سفرائي في الخارج .. وعليكم مسؤولية الحوار معهم ومعي بمصداقية لتتضح لنا صورتنا كما يرونها .. وتوضحون لهم معنى هويتنا حتى يفهمونها. وعلينا توخي الصدق في تعديل الواقع لتعديل الفجوة في الفهم».
رحم الله ملك الإنسانية الحكيم الذي آمن بضرورة الحوار الإيجابي الصادق، بقدر إيمانه بضرورة الوسطية والاعتدال واستدامة التطور والبناء.
أما خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وفّق الله خطاه في قيادة الوطن بحكمة وحزم وعزم، وسدد قراراته في هذا الزمن المليء بالتحديات السياسية والاقتصادية داخلياً وخارجياً ، فقد كرر أمامنا في مجلس الشورى وفي كل تجمع رسمي غطاه الإعلام، أنه يتوقع أن يقوم المواطن بدوره في تحمل مسؤوليات المواطنة وحماية وحدة الوطن بصدق وإخلاص، وأن آذان المسؤولين وقنوات التواصل المباشر مفتوحة لإيصال ما يعانيه المواطنون وما يرونه من مرئيات لتعديل أي وضع شائك، ولهم مقابل ذلك صدق وإخلاص المسؤولين من قمة الهرم حيث صنّاع القرار، حتى الجندي المرابط على الحدود لحمايته.
النصيحة البانية لا تعني الفضيحة بأصوات عالية، تنتقي السلبي وتعمى عن الإيجابي؛ ولا المتاجرة بآلام الضعفاء عبر الاستجابة لإغواء مكبرات صوت متحيزة ومتقصدة. وعالمنا اليوم ليس فقط مليئاً بتراكمات صور سلبية بنتها آلات الإعلام المعادية وغير المعادية على تصرفات البسطاء والجهلاء ودعاة الغلو، بل أيضاً على طموحات البعض في الظهور إلى الأضواء كأبطال ونشطاء ودعاة تغيير سياسي يضمن لهم صدارة الكراسي والمنابر ويضحي باستقرار الوطن وأمنه.
تأمين أمن الوطن يتطلب حماية حدوده من التهديد والترصد الظاهر والباطن، في ذات الوقت الذي يتطلب التأهب بخطط واقعية لمواجهة التأزم المتصاعد في تحديات الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ومستجدات علاقات الجوار وتنافسات القوى العظمى للهيمنة على مصير المنطقة.
المطلوب تداعم مشترك بين التحالفات الدولية للدفاع المشترك ضد تدخلات التأجيج لتمزيق الأوطان، وتحالف أهم بين المواطنين والقانون لحماية الوطن من شبكات الإرهاب الساعي عبر تضليل المواطن وتشتيت الوفاق.
نحن بحاجة لمرآة صادقة توضح لنا ما يخفى عنا من نواحي القصور في المجتمع والسلطة والانحراف عن الاعتدال المطلوب؛ مرآة توضح الأوضاع لنا، ولكنها لا تصرخ لإسماع الغير، بل تعبر بنضج لإسماع المسؤول ومساندته في اتخاذ القرار الصحيح لإزالة معوقات الرقي، والوصول إلى بر الإنجازات.
ونحن نمر بمرحلة تحدٍّ تنموي تشبه عبور هوّة فوق حبل مشدود .. تتطلب وضوح الرؤية ومهارة التوازن وتماسك الأيادي لكي لا يسقط أحد.
برنامج التحول الوطني خطوة أولى للتأهب لاجتياز المخاض الصعب والوصول لبر الأمان وتحقق الأماني.. وهو إعلان ثقة علينا إثبات استحقاقها.
وفّق الله الوطن وأبناءه وقادته إلى تحقيق استدامة البناء والعطاء.