د.عبدالله مناع
كان يوم الأحد الماضي، يوم عيد في (مصر).. لها ولمن أحبوها!! فمع ساعات صباحه الأولى.. كانت تُعقد أولى جلسات البرلمان المصري الجديد (برلمان 2015م).. أو البرلمان الخامس لـ(الجمهورية).. برئاسة أكبر الأعضاء سناً.. لإدارة جلسته (الإجرائية) الأولى:
بـ(الاستماع) لأداء القسم الدستوري من قبل كامل أعضائه الـ(595) نائباً، وبـ(إجراء) انتخابات بين أعضائه.. لاختيار رئيس لـ(المجلس) ولـ(وكيليه).. حيث تولاهما النائب المعين المستشار (بهاء الدين أبو شقة) سكرتير عام حزب الوفد.. التاريخي العتيد، وساعده فيهما أصغر الأعضاء المنتخبين سناً: النائب المستقل (حسين عمر محمد حسنين)، والنائبة عن حزب (مستقبل وطن): (نهى الجمال)..!!
نعم.. كان يوم الأحد الماضي يوم عيد في مصر، فقد اكتملت به آلية العمل الديمقراطي بسلطاته الثلاث: القضائية والتشريعية والتنفيذية.. وانطلقت معه عربة الديمقراطية بعد أن استطاعت ثورة الثلاثين من يونيه - 2013م -.. أن تنجز بما يشبه المعجزة خلال الثلاثين شهراً الماضية كامل الاستحقاقات التي أعلنتها وتعهدت بها (الثورة) في الثالث من يوليه.. وأسمتها (خارطة المستقبل)، بكل تفاصيلها المرحلية الطويلة: من إعادة.. لكتابة دستور مصري وطني جديد.. إلى الاستفتاء عليه.. إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.. وصولاً لهذه الانتخابات البرلمانية - النيابية -، والتي شكك فيها إخوان مصر.. بل وحاربوها بـ(اعتصامي) رابعة والنهصة وبإرهابهم الذي امتد من سيناء باغتيال أبناء القوات المسلحة وشباب الشرطة.. عند ذهابهم إلى أعمالهم أو عودتهم من إجازاتهم.. إلى داخل مصر كلها، والتي انضم إليهم فيها (المتأخونون) من خارج مصر.. بل ومن الأمريكيين وبعض الأوروبيين الذين رأوا في شخص حامي الثورة ومتصدرها: الفريق عبدالفتاح السيسي.. عودة لـ(حكم العسكر).. الذي قام كما يصورونه - زوراً وبهتاناً - بعد قيام ثورة الثالث والعشرين من يوليه من عام 1952م.. وامتد إلى حكم لجنة (طنطاوي وعنان) العسكرية العليا التي حكمت مصر ثمانية عشر شهراً.. بعد سقوط (مبارك) على يد ثورة الخامس والعشرين من يناير الشبابية عام 2011م، والتي قفز عليها (الإخوان) بأكاذيبهم وغوغائيتهم و(دروشتهم) وخلطهم السياسي بـ(الديني).. كما نذكر، بينما رأى فيه معسكر الرأسمالية القديم صورة لـ(عبدالناصر)!! الذي لا تطيقه (أمريكا) ما بعد اغتيال الرئيس جون كينيدي في العام الثالث من ولايته - في نوفمبر من عام 1962م-، ولا (المحافظون) البريطانيون بعد سقوط نجمهم المدلل (أنتوني إيدن) على يديه في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر - في أكتوبر من عام 1956م -.. لكن أكذوبة (عسكرة) ثورة الثلاثين من يونيه الجماهيرية الحاشدة.. لم تنطل على الناس فلم يُقدر لها النجاح لا إخوانياً ولا أمريكياً ولا بريطانياً ولا تركيًا!! أمام العمل الوطني الدؤوب الذي أقبلت عليه كل القوى والإرادات السياسية المصرية.. من (الرئاسة) إلى الجامعات والأحزاب الجديدة والقديمة.. إلى الجمعيات والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني.. وكأنها محاولة اصطفاف تاريخية - لم تعرفها مصر من قبل - لقطع الطريق على أي احتمال للعودة إلى تلك الشهور السودامن حكم (قنديل) و(مرسي) و(بديع)..!!
* * *
لقد كانت مصادفة قدرية دون شك.. أن أتواجد بـ(القاهرة) استجابة لدعوة شخصية لحضور مناسبة عائلية تخصه في الأيام الأولى من شهر يناير، وقبل أن يعقد البرلمان الجديد أولى جلساته.. فكان أن فاجأتني صحفها القومية الثلاث بـ(قائمة) الثمانية والعشرين نائباً، الذي يعطي (الدستور) المصري الجديد لـ(الرئيس) حق تعيينهم أعضاء بـ(البرلمان) للاستفادة من إمكاناتهم الشخصية المتميزة.. أو لاستكمال ما قد ينقص (البرلمان) من خبرات نوعية وكفاءات فنية وإدارية متنوعة.. ممن يحتاجهم (البرلمان) لأداء وظائفه التشريعية والرقابية المتعددة، ويأبون - عادة - الزج بأنفسهم في أتون الانتخابات اعتداداً وترفعاً.. وربما قلة، تحول بينهم وبين خوض الانتخابات الباهظة التكاليف.. رغم أنهم الأقدر والأكفأ.. مع التقيد بأن يكون نصف هؤلاء المعينين من النساء!.. لأفاجأ بأن قائمة الـ(ثمانية والعشرين) الذين تم اختيارهم لـ(تعيينهم).. لم تضم عسكرياً واحداً..!! وهي (رسالة) لا بد وأن تُقرأ أمريكياً وأوروبياً، و(إخوانياً).. بعد أن رفضتهم مصر بكل تلك الملايين، ليلتفوا مجدداً حول شعار (لا لحكم العسكر).. وأن جميعهم من فئات: المستشارين ورؤساء محاكم النقض ومجالس القضاء الأعلى والقياديين الحزبيين.. لعل أبرزهم (السيد عبدالعال) رئيس حزب التجمع اليساري المعارض، وشيوخ من الأزهر.. لعل أهمهم الشيخ الأزهري الشاب المستنير (أسامة الأزهري)، ورؤساء جامعات وأساتذة ومتخصصون في الاقتصاد والعلوم الإدارية والسياسية ورؤساء مجالس إدارات شركات وأساتذة في الطب والهندسة وتكنولوجيا المعلومات، وأدباء وكتاب في مقدمتهم الروائي والكاتب والأديب الفوار وطنية: الأستاذ يوسف القعيد.. صاحب رائعة (حدث في مصر).. فكان انتقاء هؤلاء الـ(ثمانية والعشرين) من بين قائمة الـ(ألف وستمائة مرشح) الذين تقدمت بهم الأحزاب والنقابات والجامعات والجمعيات والأكاديميات والمجالس القومية المتخصصة.. إنجازاً حقيقياً - بحد ذاته - يحسب لأجهزة الرئاسة المصرية، والعاملين فيها، وللرئيس عبدالفتاح السيسي.. شخصياً الذي أقرها، لينتهي ذلك اليوم الطويل والجميل في حياة مصر.. بـ(انتخابات) الدكتور علي عبدالعال: أستاذ القانون الدستوري بجامعة عين شمس، والمحامي لدى محكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا والدستورية العليا، والحاصل على دكتوراه الدولة في القانون من (جامعة السوربون) الفرنسية.. أشهر وأعظم جامعات العام قاطبة في (القانون).. رئيساً لـ(مجلس النواب) بـ(إجماع) أربعمائة وأربعين نائباً، وانتخاب السيد (محمود الشريف) ابن محافظة سوهاج الجنوبية والبرلماني المخضرم شخصاً وتاريخاً، والفائز بعضوية البرلمان على قائمة (في حب مصر).. وكيلاً - أول - لمجلس النواب، وانتخاب السيد (سليمان وهدان).. مرشح حزب الوفد (فردي)، ورجل الأعمال ونائب رئيس (المجلس القومي للقبائل العربية) والأصغر سناً بين ثلاثي رئاسة البرلمان الجديد.. وكيلاً ثانياً لـ(مجلس النواب)، لتنطلق عربة الديمقراطية المصرية.. بعد ما يزيد عن عامين من توقفها.. صوب تحقيق أحلام وطموحات وإنصاف أبناء الشعب المصري الصابر والعظيم.
* * *
لقد كان مضحكاً.. أن يعقد الفارون و(قطط الإخوان) السمان، والباكون منهم على ما اقترفته أيديهم من جرائم.. في ذات يوم الأحد - العاشر من يناير - (برلماناً إخوانياً) برئاسة الإخواني الجديد (جمال حشمت).. بعد عامين ونصف من ثورة الثلاثين من يونيه، وبعد أن مرت كثير من المياه تحت الجسر تغير وتبدل معها الكثير.. لتغيب معها صورة الإخواني (النفعي) الذي يمكن التحالف معه والاعتماد عليه، وتظهر صورة (الإرهابي) الحقيقي.. بعد أحداث باريس وبروكسل.. لكن (الدرويش) يبقى درويشاً!! إلا أن المؤسف.. أن تستضيف (استنبول) أردوغان هذا (البرلمان)!! الذي لا أدري ماذا كان يفعل.. وإلى ماذا كان يهدف..؟ لكنها حتماً.. ستكون استضافة مكلفة على الواقع السياسي التركي المهزوز.. والمضطرب فعلاً بين دعوته لـ(مكافحة الإرهاب) و(استضافته) لهذا البرلمان الإخواني المشبوه!!