د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
لا تحلو الرحلة دون أن نتدرع بأهداف محفزة؛ وربما تحلو أيضًا المشورة قبل الفرصة عندما تتاح فضاءات الرحلة لمسافات من الحراك يتحدث عنها وجيب المجتمع، ولأن لكل مكان خصوصية وفق ما يتكون فيه؛ وما يُكتسبُ منه من قيم معنوية تحمل مواده وأدواته، فإن تشكيل التصور الجميل ينمو من خلال المناخ الذي حققه ذلك المكان لإقامة حياة جديدة لمن هم بحاجة إلى النور ضمن الإطار الإنساني الودود الذي عشقته بعض شخصيات المجتمع وعشقها
فارتدت وشاحه بعزيمة وهمة، وعندما يشب ذلك الإطار عن الطوق، وتضاء فيه الأنوار الكاشفة؛ فثمة خيرات حسان بفضل من الله سبحانه وتعالى؛ ولن تكون مسافة الرحلة طويلة لأصل بكم إلى المكان المخضر؛ حيث قامت «جمعية بنيان الخيرية» للتنمية المجتمعية في منطقة الرياض، ومرجعيتها الإدارية وزارة الشؤون الاجتماعية. وتنوعت أنماط المستهدفين في «بنيان» بمسميات مختلفة رموزًا للوصول إلى وجدان الناس، ومن مشاهدتي المباشرة؛ فإنه لا حصر لوشائجها معهم فهناك برامج الإسكان تمليكًا وترميمًا، وأخرى من المساعدات الغذائية والعينية وسداد الديون وكلفة إيجار المنازل والقرض الحسن، ولأن «بنيان» ترقب أن تنفتح أبواب الاعتماد على الذات، ودخول أولئك المستفيدين من خدماتها لفضاءات الحياة الكريمة فقد اهتمت بالتنمية الأسرية وتيسير الحصول على التعليم والتدريب وأبدعت في التنسيق لذلك مع الجهات المعنية، وأقامت في الجمعية ذاتها منصات خاصة بتأهيل الأسر المنتجة للانخراط بقوة في سوق العمل، وصهرت في نشاطاتها أفكارًا من بوتقة أحاسيس المجتمع المحلي، وزخرت مناشطها بصور ودلالات حوّلت الأحلام إلى لغة ممهورة، تصوّر التنمية البشرية المجتمعية عقلاً وروحاً، وتتحرك عبر مستويات وطبقات مستمدة من حقيقة المكان والزمان، حتى اقتربت تلك المناشط من المستويات النموذجية، وتحقق في أبوابها ومصارفها التوجيه النبوي «أن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا» وأصبحت أهداف «بنيان» مجسات تقود إلى جذور الإنسانية، فهي فكرة مثالية لتأثيرها وإعلانها الواضح عن الانتماء المحلي المنطلق من الدين ثم الهوية الوطنية، ولعلي أكون على حق عندما أقول: إن الخطاب التنموي في جمعية «بنيان» خطاب وطني رُصف بحرفنة عالية؛ ليكون حبلاً قويًا تتكئ عليه كثير من مقاصد اللحمة الوطنية في مواجهة التشعب والتيه، ولعمري فقد نجحت أهداف الجمعية في ذلك، ونال خطابها المجتمعي مركزًا متقدمًا في بناء وشائج الوطن.؛ وتحقيق التوازن داخل المجتمع، والبناء الأسري السوي والمستديم
كما تقود تلك الجمعية جزءًا كبيرًا من الإصلاح الاجتماعي من خلال تتبعها لهدير المجتمع، ومتطلبات التنمية وأدوات الحاضر من خلال برامج الإرشاد الأسري من خلال توعية أفراد الأسر المحتاجة إلى الدعم الإرشادي، وتعزيز فرص الاستشارات الاجتماعية، وإقامة ما يدعم ذلك من برامج توعوية موجهة يُنتقى لها المتخصصون.
حين ذاك فإن «بنيان» تسبر ما تحت السطح من احتياجات الناس، وتلمع أنشطتها من خلال انطباعها الحميم عن واقعهم، كما أن شهادات وجود تلك الجمعية الرائدة الواعدة في المجتمع مثيرة للدهشة، لما صاحبها من خطوات وأصوات موفقة وسريعة.
تلك الجمعية مع مثيلاتها من جمعيات التنمية المجتمعية استبدلت واقع كثير من المجتمعات المحلية في مدينة الرياض وما جاورها إلى واقع حيّ نامي متحرك يوحي بأفكار وصياغات جديدة، فقد بلورت جوهر الخير في نفوس كثير من المتطوعين والمتطوعات فأقبلوا إلى مراقي العرض والمشاهدة، فكان للجمعية رؤية تتمثل في «الريادة في التنمية المستدامة للأسر المستحقة، وتمكينها من الاستقرار السكني والاقتصادي» ورسالة سامية تنطلق من «التَّميز في توفير المسكن الملائم للأسر المستحقة، والارتقاء بها على كافة المستويات التنموية. وتحويلها إلى أسر مستقلة، ماديًا ومنتجة في محيطها الاجتماعي» كما أن للجمعية أهدافً ومهام وآليات عمل، ونظامًا داخليًا رسميًا وفق منطلقات النظام الذي صنعته جهات الاختصاص. وقد حرصت مؤسسة الجمعية الأستاذة الفاضلة «ندى البواردي» والعاملات معها على ترتيب الموجودات المتاحة حتى لا تتبعثر مناشطها دون هوية، ودون مستفيد؛ ودلفت القائمات على العمل في الجمعية ينتهجن طريقًا يوصل المستفيدين من خدمات الجمعية إلى صحوة الأمكنة، وهدفها الأسمى؛ وهو الوصول إلى محطات الاكتفاء الذاتي، وهو ما يسمونه في منهجهم «إغلاق الملف» ولكن ذلك الإغلاق يحمل في نفوس أصحابه قمة التواشج الإِنساني، وأعلى مستويات التواصل المؤسسي.
نعم لقد كان في «بنيان» بواعث ألهمتني الحديث عن شموخ الهدف، وسمو المقصد حيث كانت زيارتي للجمعية محطة واقع جميل، رأيتُه واطلعتُ على جملة من مكارمه، وشهدتُ تمرّكزه حول تنمية الإنسان ليكون منتجًا، فاعلاً في مجتمعه ووطنه، ولتورق في وجدان ذي الحاجة أزاهير الحياة...
وأختم أن تلك الجمعيات في بلادنا تربة خصبة على نحو اجتماعي أشمّ، ومن خلال برامج تلك الجمعيات في مجال الدعم المجتمعي بأنواعه يمكن للجهة المعنية في وزارة الشؤون الاجتماعية إعادة صياغة إستراتيجية التنمية المجتمعية، ووضع الأُطر المشتركة وفق احتياجات المجتمعات المحلية، ومن ثم دعم الأطر الخاصة التي تحكمها البيئات والعادات مما لا يمكن لكثير من المجتمعات الانسلاخ منها.