د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
استيقظت بلادنا المملكة العربية السعودية يوم السبت الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول الماضي على صوت لحظات حاسمة، استبشر بها الشعب الأبي، وأذعن لها الذين لا يرجون حساباً، حين أقبلت بلادنا في ذلك اليوم تحزم عزائم القوة، وتباري أوقات الإتمام، فأعلنت أن قوتها بشرع الله، وأنها حزمت في تنفيذ أحكام القصاص على سبعة وأربعين من الإرهابيين الذين ثبتت عليهم الاعترافات المصدقة من القضاء الشرعي
.. والمشاهد من الصور الثابتة أنهم ممن جاء فيهم قول الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.. (33) سورة المائدة.
ولقد وعى الشعب السعودي وقيادته على هؤلاء وأفعالهم منذ أن أصبح للإرهاب كهوف وخنادق تطفلت على ترابنا الطاهر، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره، فلقد جمع أولئك الإرهابيون أبشع الجرائم حين سفكوا الدم الحرام، قال صلى الله عليه وسلم: ((كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)).. رواه مسلم.
فإذا ما توقفنا عند حق الأمن الذي اخترقه الإرهابيون ظلماً وعدواناً، فإننا نرى أن الحدود الشرعية استهدفته وجعلته مقدماً على كل الحقوق، فحين حذَّر سبحانه وتعالى بني إسرائيل من العقوبات تصدّر الخوف الترتيب الإلهي: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}.. (البقرة آية 155).
وعندما رتب نبي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم حاجات الإنسان جعل الأمن في صدارتها: ((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ طَعَامُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)) رواه البخاري.
ولذا فإن الشريعة الإسلامية مكّنت ولي الأمر من تنفيذ الحدود ليكون ذلك من موانع الجرائم، ومنها زعزعة الأمن وتخويف الآمنين، بما يكفل الوسائل الداعمة للتنفيذ، وفي ذلك اليوم الوطني المشهود عندما رصد العالم اجتثاث زمرة من صانعي الإرهاب ومخططيه ومنفذيه على أرض بلادنا، بدت للعالم بأسره تجليات ملكٍ، وصدارة قيادةٍ، وسيادةُ وطن.
أشارت إلى الدنيا بإصبع هيبة له الحق ردء والعقيدة وازعُ
هذه قيادتنا وقد تبنّت التحالف الإسلامي ضد الإرهاب، وأدارت باقتدار الحوار السياسي في أرفع مستوياته حول تلك الظاهرة التي أحاطت بالعالم الإسلامي، كما أن قادة هذه البلاد الطاهرة في توالي عهودهم إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله -، دائماً ما يجولون في حياض الحكمة، ويغترفون من نميرها ما وقف له العالم إجلالاً، حيث التزمت المملكة العربية السعودية التعايش في أعلى درجاته لمن يسلك السبل القويمة والردع لمن يعتنق الإرهاب منهج حياة، فتوجهت قيادتنا الرشيدة، تحت مظلة الشريعة العادلة إلى خلايا الإرهاب والتطرف وإلى كل مبيدات البشرية، ومن يدعمها مبرراً أو مساعداً أو منفذاً فاجتثّته.
عاثوا ولكن لم تطل أيامهم
فعِداد أيام البُغاة قصارُ
يا ويحهم لم يعرفوا أن الحمى
طود وأن حماته أحرارُ
والقصاص خطوة لاجتثاث الإرهاب، وردم منابعه - بإذن الله -، وهدف بلادنا الأسمى استقرار الأمن وتمتينه وبسطه، وقيمة أخرى هي استمرار المنهج ذاته على كل من يضع نفسه موضع إدانة في دوائر الإرهاب ومستنقعاته الدامية.
كما أن تنفيذ الأحكام الشرعية إقرار بأن سيادة الدولة وقراراتها داخل حدودها نافذة رغم الناعقين، وأن حزم أجهزة الأمن وحرصها على وقف نزيف الإرهاب، وتقديم معتنقيه للعدالة من تمام صيانة المجتمع واستقراره.
ولما أن بعض فئات المجتمع قد عانت من اختطاف فكر أبنائها وتحويلهم إلى انتحاريين، فإن واقع الحياة الأمني يتطلب أيضاً القصاص من أولئك المختطفين.
وعندما قال عزّ من قائل: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة آية 179) فقد كان القصاص نوعاً من إحداث حياة مثالية، وضمن دقائق البلاغة فإن الله سبحانه وتعالى جعل الضد متضمناً لضدّه وهو القصاص، وجاءت كلمة القصاص معرفة والحياة نكرة لتعظيم القصاص وبيان دوره في استقرار العيش، وديمومة الحياة الآمنة.
لقد كان يوم القصاص في بلادنا يوماً عظيماً، أشرقت فيه حياة جديدة، وأخذت العدالة أرائكها، وحفظت حقوق الضحايا وذويهم حين تم القصاص من الطغاة المفسدين وفق إجراءات قضائية دقيقة قُدمت فيها للمحكومين كافة الحقوق المشروعة التي تمنح لمثل حالاتهم في المحاكمات الشرعية.
نعم تبدّلت ثياب الإرهاب وتحويلات دروبه حين انضمت لمصانعه «داعش الفاسقة» وأخواتها؛ ولكن كان الاستقبال حاسماً وحازماً، وكان درس السبت المشهود يلجم العقول والأفواه، حين حزم سلمان بن عبد العزيز حزمة أخرى من كفاءة القيادة الرشيدة فأضاءت ما حوله، واستفزت ألوية الإعجاب بأننا أمام قائد عظيم، وفي رحاب وطن مختلف مكاناً ومكانة.
ذلل الصعبَ ما تبدّى له الصعبُ
وألوى بالمشكلات الرهيبة
ما سخا بالولاء والحب شعبٌ
مثل شعب أعطى المليك قلوبه
فهو منه أصلاً وأهلاً وربعاً
وسلوكاً ومحتداً وعروبة