فضل بن سعد البوعينين
لا أعتقد أن حظيت دولة عربية؛ باستثناء مصر؛ على دعم مالي؛ اقتصادي؛ سياسي أمني خليجي كما حظي به لبنان، بل أعتقد؛ أن ما حصل عليه لبنان من مساعدات مالية واقتصادية وأسلحة نوعية؛ من دول مجلس التعاون الغنية. يُفتَرض أن تبنى برامج الدعم الاقتصادي، ومشروعات التنمية الموجهة؛ على أسس من المصالح السياسية المشتركة المحققة للأمن الوطني والقومي. فالبعد الإستراتيجي يجب أن يكون القاعدة التي تتكئ عليها الحكومات في بنائها برامج الدعم المُكلّفة مالياً وسياسياً.
يبدو أن منظومة الدعم الخليجي ينقصها الكثير من الرؤى الإستراتيجية التي ترفع من كفاءتها في جانبي المنبع والمصب؛ وهذا ما تثبته الوقائع التاريخية التي حدثت في العراق، لبنان، سوريا، اليمن، ودول عربية أخرى انقلبت على دول الخليج (المانحة) ثم عادت إلى رشدها بحكم الظروف وتبدل الموازين. لم يكن مستغرباً رفض «لبنان» التصويت على بيان الجامعة العربية الذي يدين إيران وتدخلاتها في الدول العربية؛ و»حزب الله» وأنشطته الإرهابية في المنطقة، برغم شكلية البيان؛ وعدم تأثيره من الناحية العملية.
لم يعد لبنان قادراً على اتخاذ قراراته بمعزل عن سيطرة «حزب الله» الممثّل الرسمي لإيران في الحكومة والبرلمان؛ وهو ما دفع وزير خارجيتها لمعارضة البيان؛ والتأكيد على التزام الحكومة بسياسة النأي بلبنان عن الأزمات؛ ورفضها ذكر «حزب الله اللبناني» وربطه بأعمال إرهابية، «فيما هو ممثّل في مجلس النواب ومجلس الوزراء اللبنانيين». تمثيل حزب الله في البرلمان والحكومة لا يلغي إرهابيته التي تضررت منها دول الخليج؛ وفي مقدمها السعودية؛ البحرين والكويت.
كان من الممكن قبول تبرير رفض الحكومة اللبنانية للبيان لو أنها مارست الدور نفسه في مواجهتها قضايا حزب الله الأخرى ذات العلاقة بأميركا ودول الغرب. لم يكن بيان الجامعة العربية تدخلاً في شؤون لبنان؛ ولم يفرض عليها اتخاذ تدابير عملية تجاه الحزب كما فعلت الولايات المتحدة الأميركية التي أرغمت الحكومة اللبنانية على إغلاق «البنك اللبناني الكندي» لعلاقته بأنشطة حزب الله المالية؛ وقيامه بدور فاعل في غسل أموال الحزب وإعادة استثمارها. انصياع الحكومة اللبنانية لتنفيذ القرارات الغربية المفروضة على الحزب والصادرة من محاكم غربية؛ بما فيها وزارة العدل الأميركية؛ وتنفيذها أوامر اعتقال؛ واستدعاء وتصفية أنشطة مالية؛ تؤكّد أن تبريرها رفض التصويت على البيان لم يكن منطقياً؛ بل مخالفاً لواقع الحال. الحقيقة أن الحكومة اللبنانية غير قادرة على اتخاذ قرار إدانة بحق إيران أو «حزب الله»، وإن كانت شكلية. ورغم الهيمنة الصفوية على لبنان؛ وخذلانها العرب وقت الحاجة؛ ما زالت دول الخليج تقدّم مساعدات سخية للحكومة اللبنانية؛ وتثق فيما يصدر عنها من تبريرات؛ على أمل دعمها في مواجهة حزب الله والانعتاق من الهيمنة الإيرانية مستقبلاً.
الحقيقة المغيبة أن زعماء لبنان مستفيدون من وضع الدولة المتداعي، وأنهم آخر المعنيين بعودة لبنان إلى سابق عهده، وقطع يد الصفويين؛ وممارسة حكومته دورها السيادي على كامل أراضيه. لا يمكن لدول مساعدة من لا يريد مساعدة نفسه وإن حرصت، وهي الحقيقة التي يجب أن يقتنع بها القادة؛ فلعل في اقتناعهم، العلاج الناجع لما يحدث في لبنان من تناحر وافتعال للأزمات الضامنة لتدفق المساعدات التي تذهب مباشرة إلى جيوب زعماء الأحزاب والساسة وحزب الله أيضاً.
نجح زعماء الحرب اللبنانيين في خلق الأزمات وتضخيم أرصدتهم على حساب لبنان، واستقراره، وعلى حساب الأمن العربي؛ ومن الخطيئة الاستمرار في دعمهم بنية «دعم لبنان» الذي لم يتحقق رغم التدفقات المالية الضخمة؛ والبرامج الاقتصادية؛ والمشروعات التنموية الممولة من دول الخليج وفي مقدمها السعودية. يقال في الأمثال «ينفعك من ينفع نفسه» وزعامات لبنان؛ وحكومتها الحالية لم تنفع نفسها ولا دولتها؛ ومن الطبيعي ألا تُفيد غيرها؛ أو أن تسهم في دعم الآخرين. عجزوا عن انتخاب رئيس الدولة لسنوات؛ بسبب هيمنة حزب الله وإيران؛ وانتماءات أعضاء البرلمان وتوجهاتهم؛ وفشلوا في التعامل مع ملفاتهم الداخلية والخارجية؛ وتقاعسوا عن نصرة أشقائهم الذين وقفوا معهم وناصروهم في أخطر الأزمات؛ ما يستوجب التعامل معهم وفق الواقع المعيش لا المستقبل المأمول. فهل نبدأ معهم وفق إستراتيجية وطنية مضيئة تحقق مصالحنا الوطنية؛ أم نمضي معهم في طريق مظلمة تقود الجميع نحو الهاوية؟!