علي الصراف
ليس من الصعب على المرء أن يفهم لماذا تُعادي إيران المملكة العربية السعودية؟.. فإذا كان من المحير فعلاً، كيف أنها لم تفهم لماذا سوف تنتهي إلى خسران مبين، فمن المحير أكثر، كيف أنها تفعل بأيديها ما لا تراه.
العداء للسعودية، هو أولاً، عداء للإسلام؛ عداء لداره الأولى، وعداء لكل مفصل في التاريخ انطلق من هذه الدار إلى رحاب الكون. والسعي للنيْل من السعودية، هو سعي صريح، وتم الإفصاح عنه مراراً وتكراراً، لهدم بيت الله الحرام.
وثمة من الأحقاد على بيت المسلمين الأول، ما لا سبيل إلى حصره من تخرصات وتأويلات وتخاريف. وهي في جملتها تناهض الإسلام قبل المسلمين، حتى وإن تلبست ثوبه.
فإذا كان لم يعجب إيران، ما تقدمه السعودية في خدمة هذا الدين على مدار الكرة الأرضية، فقل لي ماذا قدمت إيران له غير الشقاق والنفاق، وغير مليشيات القتل والنهب والفساد والإرهاب؟
العداء للسعودية، هو عداء للعروبة؛ وللحضارة العربية، وللثقافة العربية، وللروابط العربية، ولكل وشيجة تجمع بين العربي والآخر على أساس قومي.
فإذا كانت مكانة السعودية بين المسلمين في العالم تضايق إيران، فإن مكانتها بين الدول العربية، تترك الأثر نفسه من الضيق لدى طهران.
وبينما لا تخفى على أحد الطبيعة القومية للمشروع الصفوي الفارسي، فإنه لا تخفى على أحد أيضاً الطبيعة المذهبية للسلاح الذي تستخدمه إيران من أجل شق صفوف العرب والمسلمين.
ولكن لماذا سيبوء هذا العداء بالفشل؟.. ولماذا سيكون نصيب طهران منه الخسارة والخذلان؟
الحقد أعمى عادة. والحاقدون إنما يتعثرون بأحقادهم ذاتها مما يجعلهم عاجزين عن رؤية «العدو» بروح موضوعية، وعاقلة.
ما تراه إيران، ولا تفهمه، أن السعودية قوة محورية في العالم العربي، وهذه مكانة توفر لها عمقاً إستراتيجياً لا تستطيع عشر دول بحجم إيران أن تحصل عليه.
وما تراه إيران، ولا تفهمه، أن السعودية واحدة من أكبر عشرين قوة اقتصادية في العالم. وهذا وضع يؤهلها إلى أن تستقطب، وتبني، وتستثمر، أكثر بكثير من كل ما تملكه من احتياطات وإمكانيات. بينما لا تملك إيران في مقابله، إلا ما يجعلها دولة كسيحة، بـ»إمكانيات» تضخم صاروخية تحرق الأخضر واليابس في اقتصاد هزيل.
وما تراه إيران، ولا تفهمه، هو أن السعودية، قوة عسكرية طليعية وحديثة، وتمتلك من القدرات الدفاعية والهجومية، ما يوفر لها معيناً كاسحاً من الإمكانات. وعدا عن التحالف العربي الذي تقوده المملكة في اليمن، وهو تحالف حقق انتصارات عسكرية كبرى، في بيئة جغرافية معقدة، فإنها تُنشئ تحالفاً إسلامياً يضم العشرات من الدول، التي توفر لها، قاعدة تضامن أمني وسياسي لا تستطيع إيران أن تجاريه.
ولكن ثمة ما لا يقل أثراً عن هذا كله. وهو أن السعودية تمثّل ميزاناً للاعتدال، يكفي بمفرده لجعلها مرجعاً وقوة دولية نافذة.
أفهل يعقل، في بيئة كهذه، أن توجه طهران تهديدات للرياض؟ أو تحرض ضدها؟ أو تسعى إلى النيْل منها؟
فقط المجانين، هم من يمكنهم ذلك.
لا. ليس المجانين فقط. بل المجانين ومن أعمت الأحقاد أبصارهم عن رؤية واقع الحال.
ولكن، ثمة ما لا تراه طهران، ولا تفهمه في آن. وهو أن السعودية التي لا ترد على التهديد بالتهديد، تتمسك بالحكمة والاعتدال، في أعتى الظروف، لأنها من القوة والكبر بمكان حتى إنه لا يشغلها ضجيج الأدعياء ولا عويلهم.
السعودية في بيئتها، نموذج للتضامن، والبناء، والرخاء، والتعاون، والاستقرار، والعطاء. (ولكل كلمة هنا، من الأدلة ما يغني عن البرهان).
في المقابل، فإذا كان هناك نموذج يمكن لطهران أن تقدم نفسها به، فهو النموذج الذي أسفر عن مئات الآلاف من القتلى وملايين المهجرين بين العراق وسوريا ولبنان.
إنه نموذج صارخ لسفك دماء الأبرياء، يصدح الفسادُ والخرابُ في أركانه، كما تصدح من حوله غربان الإرهاب.
نموذج قادته مليشيات طهران لتذيق شعوباً بأسرها كأس الذل والمرارة والهوان على امتداد 12 عاماً، (منذ أن قدم لها «الشيطان الأكبر» الإمكانية والمكان). وبدلاً من أن تقدم طهران عوناً (ربما لإرساء نموذج قابل للبقاء)، فإنها جعلت من أتباعها تجاراً لنهب الثروات، ومكائنَ أحقادٍ طائفية لتفريخ الأحقاد، حتى لم يعد بالإمكان العودة بها إلى الوراء.
فإذا كانت مليشيات طهران تسبح في مستنقع من دماء الأبرياء، هنا وهناك وهنالك، فأي نوع من العمى هو الذي يصيب طهران عما تفعله بأيديها، ولا تراه؟
لدى العراقيين والسوريين قائمة طويلة جداً بمن قتلوا تحت سنابك المشروع الصفوي. ولدى العالم كله، قائمة أطول بمن شردهم الفساد والدمار والطغيان تحت عمامة المشروع الطائفي الذي ترعاه طهران.
فأي نوع من العمى هو ذاك الذي يجيز لها، ولمليشياتها، أن لا ترى ما ظلت تفعله، كل يوم، ويوماً بعد يوم، على امتداد عقد ونيّف من السنوات، دونما توقف، ولا إبطاء، وكأنها ماكينة قتلٍ صُممت لتهرس لحم الملايين فالملايين من الأبرياء؟