علي الصراف
يمكن لرجل واحد أن يتحاور مع النظام في دمشق ويحقق النتيجة نفسها التي قد يسعى إليها ألف. ولكن كيف؟
لو أمكن لذلك الألف أن يتوافق على أسس التغيير المطلوب، وآلياته الرقابية والتنفيذية، فإن نصف الطريق نحو الحل يكون قد انقطع.
نحن عادة ما نختلف. وليس عيباً أن نختلف. الاختلاف أصبح واحداً من مستلزمات الحياة المعاصرة. سوى أننا لم نتعلم بعد كيف نحول الاختلاف إلى نعمة من نِعم الصبر والتعايش، وتبادل المنافع وانتظار النتائج بروح إيجابية.
وكلنا يخطئ. سوى أننا لم نتعلم بعد كيف نجعل الخطأ درساً. ولا كيف نضع مسافة بين الخطأ وشخص مرتكبه، فنقيل العثرة، ونأخذ بيد صاحبها، بدلاً من أن ندفعه بها.
المعارضون السوريون كثيرون. ولكل منهم تصور مختلف حول طبيعة الأزمة وسبل حلها في بلادهم. فإذا قلنا إنّ هذا الاختلاف أمر طبيعي، ومطلوب، فإنّ ما هو غير طبيعي وغير مطلوب، أن يتحول الاختلاف إلى عائق يدمر كل طرف فيه الطرف الآخر، ليكسب الاستبداد وحده.
وفي مقابل المخاطر التي ينطوي عليها التمزق، فإنّ الاتفاق على أسس وقيم عليا مشتركة، ربما يكون هو المدخل الصحيح.
يمكن البدء من النهايات!
وطالما أن البدايات إشكالية بطبيعتها، فإنّ الاختلاف حولها أمر بديهي ويجب الصبر عليه. كما يمكن إحالتها إلى تلك النهايات. والخطأ فيها، بانتظار حكم المستقبل، مقبول أيضاً.
يمكن للمعارضين السوريين أن يحددوا معالم تلك النهايات، وأن يرسموا الطريق إليها، بالإجابة على سؤال: أي سوريا نريد؟
هذا هو السؤال الأساس. وهو سؤال التغيير الحقيقي. ومنه يبدأ المستقبل. إنه الجملة الأولى في دستور الخلاص من سلطة العنف والتطرف والاستبداد.
هناك مجموعة من المسلّمات المشتركة. كما أنّ هناك مجموعة من القيم التي لا يمكن الخروج عنها. ومن هذه المسلّمات والقيم يبدأ التوافق، حتى ولو جاء المتحاورون من كل حدب للاختلاف.
وحالما تتحدد الأسس، فإنّ الطريق إليها سيكون مسألة إجرائية للغاية.
نريد دولة قانون، على سبيل المثال. لن يستطيع كل شياطين الاستبداد أن يرفضوا مطلباً إنسانياً كهذا. ونعرف أنهم سيضعون كل العراقيل من أجل إفساده. ولكن البدء من هذه النقطة، للبحث في الوسائل الرقابية والتنفيذية لتحقيقها، يمكن أن يشكل مقتلاً حقيقياً لسلطة القهر، أو في الأقل مكبلاً نهائياً لها.
النقاش حول هذه وغيرها من القضايا يحسن أن يكون عملياً. لا مجرد مجادلات حول مواقف وخيارات وشكوك واتهامات. ولهذا السبب فإنه يمكن للحوار أن يضم ألف طرف وطرف، من كل الاتجاهات. وبدلاً من أن تفسده الاختلافات، فإنّ التوافقات على النهايات يمكن أن يحدد معالم الأرضية المشتركة التي يقف عليها الجميع.
نقول في بعض الأحيان: «هات من الآخر»، لأننا نقصد بالأحرى، قصر المجادلات على الوجه العملي منها. قل ماذا تريد، «من الآخر»، لكي نعرف ما إذا كان يمكن رسم أي طريق يحقق الوصول إليه.
وأن تعرف أي سوريا تريد، فإنك ستعرف الطريق إليها.
لا يعني ذلك أبداً أنّ الطريق سيكون ممهداً بالورود. فشياطين الاستبداد لن تكف عن وضع العراقيل، إلاّ أنّ وحدة الموقف الوطني حول الأسس، يجعل من تلك العراقيل مكشوفة وغير قابلة للحياة.
وبذلك فإنّ فريقاً من متحاورين، يكون متخصصاً في التدقيق بالآليات الرقابية والتنفيذية، سيشكل أول كتيبة من كتائب صنع المستقبل. وحتى ولو اقتصر الحوار، مع الطرف الآخر، على رجل واحد (مقيّد بتوافقات الجميع)، فإنّ النتائج نفسها يمكن أن تتحقق لما قد يسعى إليه ألف.