د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
الحزم أطل علينا مرة أخرى ليثبت بما لا يدع مجالاً للشك عدم تهاون قادة المملكة بأمنها وأمن مواطنيها مهما كلف الأمر وبغض النظر عن أي ظروف. فبمجرد انتهاء الإجراءات القضائية التي استغرقت وقتًا طويلاً تم تنفيذ حكم الإعدام في 47 إرهابياً يوم السبت الفائت دونما استعراض أو ضجة، أو صور.
... وشملت الأحكام أفراداً من مختلف مناطق المملكة ومن مخلف طوائفها وعشائرها. فالأحكام القضائية شملت من انخرطوا في صفوف المنظمات الإرهابية والمدانين بقتل أبرياء من المواطنين ورجال الأمن، وبمهاجمة مصالح ومكتسبات الوطن الاقتصادية. وتم رفع القصاص من التمييز عن ثلاثة من الموقوفين لعدم استكمال الأدلة ضدهم. وجميع من نُفذ فيهم الحكم أعضاء في جماعات أعلنت الحرب على الدولة والمجتمع، وأعيت فيهم كل سبل النصح والمناصحة، فكان لا بد من استئصالهم لاستعصائهم على العلاج ولضررهم المحتمل المستديم على المجتمع.
هذا الحكم أتى إنصافاً لذوي الضحايا المغدورين الأبرياء من نساء ورجال وأطفال بعضهم تم استهدافهم بشكل أعمي في مجمعات سكنية لا لسبب إلا لأنهم أقاموا في مجمعات يوجد بها بعض من أفراد الديانات والمذاهب الأخرى من المستأمنين ممن يعملون في البلاد. تم استهداف هذه المجمعات لتسجيل مواقف سياسية لأتباع فكر ينافي روح العصر والإنسانية. وعندما حصنت الدولة أماكن إقامة المقيمين فيها ومناطق إقامة الطوائف التي قد تكون مستهدفة، تم توجيه العنف لرجال الأمن ذاتهم في الطرقات وفي مقار عملهم، ليس إلا لمجرد أنهم رجال أمن. هؤلاء السبعة والأربعون الذين أقيم العدل في حقهم هم خلاصة حرب لا هوادة فيها امتدت لعشرات السنين لحفظ أمن المجتمع ومنع إرهاب الآمنين.
لا شك أن القصاص خيار صعب لا تريد أي حكومة أن توضع أمامه، فلا يوجد في العالم دولة ترغب في تنفيذ القصاص في شخص واحد لو ملكت أي وسيلة أخرى لردعه عن جريمته. ولكن وللأسف لا يوجد خيار آخر بعد أن تكون الجرائم ارتكبت والأرواح روعت. والقاعدة، وداعش، وغيرهما من التنظيمات الأخرى تنظيمات تتلقى الدعم من أي جهة تمنحها لهما حتى ولو كانت جهات معادية أو جهات غير مسلمة. وبعض أفرادها قد غسلت أدمغتهم إلى ما بعد القدرة على الإصلاح، وتم مد العون لهم من جهات خارجية استهدفت زعزعة الأمن وخلق البلبلة لأهداف سياسية واقتصادية. والخيانة بهذا الشكل تعد أكبر جريمة في عرف الشعوب والدول. ومن المتعارف عليه أن الشعوب تتناسى خلافاتها الداخلية أوقات الأزمات الخارجية وتلتف حول قيادتها حفظاً على أوطانها وعلى مكتسباتها، إلا أن البعض من هذه الفئة الضالة ينشط بشكل خاص وانتهازي في هذه الظروف بالذات فيعمد للتغرير بالشباب والعمل مع كل حاقد ليكونوا طوابير خامسة تستهدف أمن بلادهم. والأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل إن هذه التنظيمات فتحت أبوابها لكل من هب ودب من الأجانب للانخراط فيها، فهربوهم لداخل البلاد فتحولت لهدف سهل للمخابرات الخارجية. فهذه الجماعات تتبنى فكراً ضحلاً يخاطب العاطفة الدينية دونما إدراك لعواقبه السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وهي تتقبل التوجيه من أي كان شريطة أن يكون هذا التوجيه متلائماً مع خطابها وأيديولوجيتها حتى ولو كان مزيفاً.
إن مجرد فكرة أن هناك جماعات لديها هذا الاستعداد التلقائي للإضرار بأمن الوطن أمر مرعب حقاً لأي مواطن فما بالناك بجهات مسئولة عن المواطن وأمنه وسلامته وأمن ممتلكاته ومكتسباته الوطنية. بل إن بعض أعضاء هذه التنظيمات من صغار السن تم غسل أدمغتهم ليفجروا أنفسهم في أي لحظة وفي أي مكان ولأتفه الأسباب بهدف إيقاع أكبر عدد من الضحايا وإحداث أكبر قدر من الدمار. وبعضهم فجر نفسه في أماكن العبادة وبين المصلين. وكانت أماكن العبادة المستهدفة أماكن عبادة للطائفة الشيعية ذاتها لتعميق الطائفية والانقسام داخل المجتمع السعودي. فهناك قوى إقليمية وخارجية تحاول إدخال المملكة في دوامة العنف الطائفي التي تشهده الدول المجاورة وتريد أن تلحقها بركب الاقتتال الطائفي لأنهم يدركون أنها الحصن الأخير للأمة الإسلامية وفيها تقع أقدس مقدسات المسلمين.
وقد بادرت الحكومة بالإعلان عبر وسائل الإعلام جميعها، وبشكل مسموع للجميع بالتحذير من أن التحريض على الإرهاب، والتحريض على الطائفية سينطبق عليهما ما ينطبق نظاماً على الممارسة الفعلية لجرائم الإرهاب والعنف الطائفي. وكان المستهدف بهذا التحذير جميع المواطنين باختلاف طوائفهم. ولكن هذه التحذيرات وقعت على آذان أصمها الكره والحقد فاستخفت بما تم تحذيرها منه. وإذا كانت الحكومة أوقعت أشد العقوبات فيمن تعرض لأمن أماكن عبادة الشيعة فهي بذلك توضح أنها لا تقبل إرهابَ أي من مواطنيها مهما كان توجهه أو طائفته. فالمواطنون سواسية وأمن الوطن غير قابل للتجزئة.
لكن التحريض على التظاهر والعنف، وحض الناس على الولاء لقوى خارجية معادية في هذا الوقت بالذات استمر وللأسف من بعض أبناء المذهب الشيعي رغم المحاولات المتواصلة لثنيهم عن ذلك. وبطبيعة الحال فالغالبية العظمى من المواطنين من أبناء هذه الطائفة واعون لمسئوليتهم الوطنية ويدركون خطورة الولاء للخارج في هذه المرحلة بالذات. ولكن الأمر عندما يصل للتأجيج المعلن وتكديس السلاح وتشكيل الأحزاب والخلايا الإرهابية السرية، والتعرض لرجال الأمن والتهديد بفرض واقع أمني ذاتي فلا بد من تدخل الدولة لحماية هذه الطائفة من بعض أبنائها الذين يريدون جرها لمواجهة مع أجهزة الدولة أو توجيههم لزعزعة الأمن مستقبلاً عند طلب جهات خارجية لذلك. فلم يذكر التاريخ دولة سكتت عن خيانة كهذه.
المملكة كانت تدرك عواقب الصدامات الطائفية، وهي تحرص على سلامة الأقليات الطائفية فيها بينما هي تشاهد ما حصل للأقليات الطائفية بعد حدوث انفلات أمني في دول مجاورة، وتعرف ممارسات «الحشود الشعبية» الطائفية فيها، وتلاحظ امتداد هذا الاستقطاب الطائفي الفكري لداخل المملكة ذاتها، ولذا فهي في الوقت الذي ترغب فيه في العمل على القضاء على هذا الاقتتال الطائفي في الخارج لا يمكن أن تسمح له بالامتداد للداخل. فكان من الضروري إيقاف التأجيج الطائفي بأي ثمن حمايةً لمواطنيها من أبناء الطائفة الشيعية ذاتها التي غررت بهم قوى طائفية متطرفة في دول مجاورة. ولكن وللأسف فإن بعض أبناء هذه الطائفة ذاتهم عاشوا وَهَمَ تدخل دولة خارجية لصالحهم، وهم لا يدركون أن ذلك لا يمكن أن يُسمح به، بل إن هذه الدولة لن تجرؤ عليه، وكل ما في الأمر أنه في حالة حدوث انفلات أمني يسمح بممارسة العنف الطائفي سيكونون هم الطرف الأضعف في ذلك، ولذا فهم ربما الأحوج لحماية الدولة من غيرهم. والانصياع خلف التأجيج الطائفي ليس من مصلحتهم بالطبع، وممارسة الطقوس المذهبية أمر والولاء السياسي المذهبي لدولة خارجية أمر مختلف تماماً.
فلو تراخت الدولة في ضبط الأمن لكان أول المتضررين هم إخوتنا الشيعة أنفسهم وبعضهم للأسف لا يقدر ذلك. والأحرى بالأخوة الشيعة بالذات أن يقدروا حرص الحكومة على حفظ أمنهم وأمن أسرهم وألا يسمحوا لأحد بأن يمارس التحريض الطائفي بين ظهرانيهم لا سيما بشكل علني مستفز. فالحكومة في تنفيذ حكم الشرع في النمر إنما فعلت ذلك لأمن ومصلحة الطائفة الشيعية ذاتها مثلما هو تنفيذ القصاص في المحرضين على الفتنة من الطائفة السنية الذين حرضوا على ممارسة العنف ضد الأديان والطوائف الأخرى. والنظام لا يفرق بين تحريض شيعي أو سني أو شافعي أو مالكي، فالتحريض على الإرهاب والعبث بالأمن خط أحمر.
قال الله تعالي: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
فلعل لنا فيما نفذ من أحكام حياة، حياة يحس الجميع فيها بصرف النظر عن طوائفهم بالأمن والرخاء.