م. خالد إبراهيم الحجي
إن التغير المناخي مصطلح يستخدم بشكل عام ليشير إلى التغييرات المناخية نتيجة العوامل الطبيعية مثل العواصف الرعدية والأعاصير والزلازل والبراكين، ويستخدم على وجه الخصوص للدلالة على الاحتباس الحراري، الناتج عن انبعاث الغازات الكربونية الملوثة للبيئة بسبب تزايد استخدام الفحم أو الوقود الأحفوري، لإنتاج الطاقة اللازمة لوسائل الحياة المعاصرة، مثل: الطاقة التي تستخدم في وسائل المواصلات، وتشغيل المصانع، وإنتاج الطاقة الكهربائية للاستخدام اليومي على عكس التغيرات المناخية التي قد تحدث بسبب العوامل الطبيعية على الأرض، والاحتباس الحراري يشير إلى الارتفاع المتزايد في درجات الحرارة على سطح الأرض، ويشمل كل شيء آخر يؤثر في ارتفاع معدل انبعاثات الكربون والغازات السامة الملوثة للبيئة. والتغير المناخي الناتج عن الاحتباس الحراري ظاهرة أثبتها العلم الحديث نظرياً وعملياً من خلال الآثار التي تم رصدها على مدى عدة سنوات ماضية بواسطة الأقمار الاصطناعية، ومنها ارتفاع درجات الحرارة على سطح الأرض، وملاحظة الذوبان الجليدي في جزيرة (الجرين لاند)، أكبر جزيرة خضراء في العالم، وذوبان الصفائح الجليدية وما نتج عنه من تقلص في حجم الجبال الثلجية في القطبين الشمالي والجنوبي، وارتفاع منسوب المياه الواضح على شواطئ البحار والمحيطات، وعلى الرغم من أن هناك كثيراً من الناس يقلل من آثار أو مخاطر ظاهرة الاحتباس الحراري بحجة أن آثارها بطيئة جداً وغير محسوسة خلال عمر الجيل الواحد، إلا أن كثيراً من الدول الصناعية الأكثر تلويثاً للبيئة أصبحت تعترف بأنها مشكلة عالمية وتفاقمها يمس مستقبل جميع سكان الكرة الأرضية، ولهذه الغرض عُقد حتى الآن ثلاثة مؤتمرات دولية تضم معظم دول العالم، وكان آخرها مؤتمر باريس بحضور زعماء 159 دولة لوضع برامج ملموسة تهدف إلى تقليص الاعتماد على الفحم والبترول من خلال التحول التدريجي الفعلي إلى مصادر الطاقة المتجددة، وكان هناك إجماع من قبل معظم الدول في هذه المؤتمرات، التي تعقد كل خمس سنوات، على أن تتضافر الجهود الدولية للحد من الآثار السلبية والأضرار البيئية الناتجة عن الاحتباس الحراري، وإجماع من قبل معظم الدول وبخاصة الدول الصناعية الكبرى أن تساهم في التحول التدريجي نحو استخدامات الطاقة المتجددة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، والتقليل من آثارها الضارة على البيئة، وقد سُئل معالي وزير البترول السعودعبد الله النعيمي على قناة بلومبيرج الأمريكية خلال مشاركته في برنامج مناخ الأعمال بتاريخ 22/ 5/2015م عمَّ ستتخذه السعودية بشأن ظاهرة التغير المناخي عموماً والحد من الاحتباس الحراري على وجه الخصوص، وكان جواب الوزير النعيمي على النحو التالي: (نحن في السعودية ندرك أنه سيأتي يومٌ من الأيام الذي سنستغني فيه عن الوقود الأحفوري (البترول)، ولا أعلم متى سيكون هذا اليوم فربما يكون في عام 2040م أو عام 2050 م أو بعد ذلك، لذا بدأنا في( مشروع تطوير الطاقة الشمسية)، كما أضاف معالي الوزير النعيمي في سياق حديثه (السؤال الذي يجب أن يطرح نفسه الآن لماذا بدأنا مشروع تطوير الطاقة الشمسية، والجواب لأننا في السعودية عندما ننظر إلى أعلى نشاهد أشعة الشمس طوال النهار على مدار العام، كما يوجد لدينا آلاف الهكتارات من الأراضي الشاسعة الفارغة التي يمكننا نصب الخلايا الشمسية فيها لتجميع ضوء الشمس، وتوافر الأراضي وقوة ضوء الشمس على مدار العام تعتبر بالنسبة لنا مسوغات جيدة لمشروع مغرٍ وجذاب، لذا بدأت السعودية في مشروع لتطوير منظومة صناعية متكاملة تبدأ من السلكون على الأرض إلى الخلايا الشمسية وتنتهي إلى محطات توليد الكهرباء، ونأمل في يوم من الأيام أن نكون قادرين على تصدير الجيجا واط من الطاقة الكهربائية) وعندما سألت مسؤولة البرنامج المستضيف معالي الوزير السعودي عن المدة المقصودة في قوله (في يوم من الأيام) هل يقصد مثلاً بعد ثلاثين سنة من الآن، قال معالي الوزير: (لا ليس بعد ثلاثين سنة وإنما أول تصدير لعدد معتبر من الجيجا واط من الطاقة الكهربائية السعودية المنتجة من الطاقة الشمسية سيكون خلال خمس سنوات تقريباً) ويمكن مشاهدة تصريح معالي الوزير النعيمي على الرابط التالي:
http://www.bloomberg.com/news/videos/2015-05-22/we-will-export-giga-watts-of-electric-power-al-naimi
إن طاقة الرياح والطاقة الشمسية تُعد من أهم خيارات مصادر الطاقة المتجددة المتاحة لإنتاج الطاقة الكهربائية في عصرنا الحاضر، فطاقة الرياح الأكثر استخداماً عالمياً في المناطق التي تتميز بسرعات رياح عالية ومناسبة لتوليد الطاقة الكهربائية وذلك عن طريق مراوح ضخمة تحركها الرياح وتتصل المراوح بمولدات تحول الطاقة الحركية إلى طاقة كهربائية، والطاقة الشمسية يجب أن تكون الأكثر استخداماً عالمياً في المناطق التي تتميز بحرارة الشمس العالية وأشعتها الدائمة، والطاقة الشمسية هي تحويل الضوء والحرارة من أشعة الشمس إلى طاقة كهربائية بإحدى الطريقتين: الأولى مباشرة باستخدام الخلايا الكهروضوئية التي تحول الضوء إلى تيار كهربائي باستخدام ظاهرة التأثير الكهروضوئي، والثانية غير مباشرة باستخدام نظام الطاقة الشمسية المركزة التي تعتمد على خصائص المرايا والعدسات المجهزة بنظام متابعة يجعلها تلاحق ضوء الشمس طوال اليوم لتمتص أكبر كمية من أشعة الشمس على أسطح المرايا والعدسات التي تُجمِّع الأشعة الشمسية لتوصيلها بمحول يقوم بتحويل التيار المستمر إلى تيار متناوب أو متردد صالح للاستخدام في الأغراض الكهربائية. وفي بعض الدول التي أصبحت فيها تكلفة استخدامات الطاقة الشمسية للأغراض المنزلية اقتصادية ومتاحة بشكل تجاري للمواطنين، قام بعض السكان بوضع الخلايا الشمسية المجمعة لضوء الشمس على أسطح منازلهم، وفي حال وجود فائض كهربائي عن الاستخدام المنزلي يعود هذا الفائض إلى الشبكة العامة للكهرباء من خلال عدادات كهربائية تحسب كميات الكهرباء الفائضة عن حاجة المنازل والصادرة إلى الشبكة العامة للكهرباء، وعلى ضوء قراءة العدادات الكهربائية تصدر فواتير لأصحاب المنازل بقيم الكهرباء الفائضة عن حاجتهم والتي تم إضافتها إلى شبكة الكهرباء العامة، وفي آخر كل شهر تقوم شركة الكهرباء بتحويل قيم الفواتير إلكترونياً إلى حسابات أصحاب المنازل التي سجلت فائضاً كهربائياً عن حاجاتهم المنزلية. وإنتاج الطاقة الكهربائية من الخلايا الشمسية يحتاج إلى مصفوفات كثيرة جداً من ألواح الخلايا الشمسية وبالتالي يتطلب أراضي كبيرة ذات مساحات شاسعة وطبوغرافية مناسبة تعود ملكيتها للحكومة، كما أننا سنحتاج إلى رفع الوعي بأهمية استخدامات الطاقة الشمسية لتذليل الصعاب وتقليل التحديات التي تعوق انتشارها بين الناس، لأن هذه التحديات لا تزال موجودة حتى في المجتمعات الغية التي انخفضت فيها تكلفة استخدامات الطاقة الشمسية إلى مستويات اقتصادية مناسبة ومعقولة، حيث إن استخدام الطاقة الشمسية يُعتبر من أهم عناصر ومميزات الأبنية الخضراء والأبنية المستدامة، لأن الأبنية الخضراء هي التي تُعنى بتصميم وبناء المباني بأسلوبٍ يحافظ على سلامة البيئة ونقائها من التلوث، مع تنظيم انسجام المباني مع الطبيعة المحيطة بها. والأبنية المستدامة: تشمل زيادة كفاءة استخدام الطاقة، مما يقلل من كمية الطاقة الرئيسة التي تحتاجها المباني على المدى الطويل. وقد بدأت ترتفع أصواتٌ معتبرةٌ في المجتمعين العلمي والدولي تطالب بالاهتمام بتشييد الأبنية الخضراء والمستدامة التي تعتمد على مصادر الطاقة المتجددة عِوضاً عن الفحم والبترول المصدرين الرئيسين لانبعاث الكربون والغازات السامة الملوثة للبيئة
الخلاصة
إن موقع السعودية الجغرافي بالنسبة إلى خط الاستواء يجعل سماءها صافيةً وأرضها مشمسةً على مدار العام، وصحاريها الشاسعة تعتبر طوبغرافية مثالية لإقامة مزارع الخلايا الشمسية الكافية لإنتاج الطاقة الكهربائية التي يمكن أن تحقق الاكتفاء الذاتي على المدى الطويل.