د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** تقع إداراتُ العلاقات العامة - في نظر معظم علماء الإدارة - ضمن الإدارات الاستشارية خارج خطوط السلطة العمودية، وهو ما يحررُها من قيود التبعية التنفيذية التي تدين لها معظمُ الوحدات التنظيمية، مثلما يلقي عليها مسؤوليةَ ممارسة دورها الحرّ النائي عن التاثر الساعي إلى التأثيرِ والمعني بتفاصيل سلوكيات العمل الداخلية والخارجية دفاعًا لا اندفاعًا ومتابعةً لا انقيادًا وتقويمًا لا انحيازًا، ومنها يبدأ قياس الرأي العام والرضا الوظيفي وتتخلق في أجوائها دراساتٌ واستباناتٌ وتحليلٌ وتعليلٌ ومعلوماتٌ ورؤى.
** كذا هي العلاقاتُ وبذا يسير الإعلامُ حين يُراد منهما أن يكونا جهازين مِهْنيين موضوعيين علميين قادرَين على قراءة الصورة بتفاصيلها واستقراء الآتي بمحدداته،وارتباطُهما بصاحب القرار الأعلى - كما يُفترض - يجعلهما متمكنين من معرفة الزوايا والخفايا والانطلاق من المحسوس إلى المجرد ومن المعلوم إلى دوائر الفهم والإفهام لا زيادة اللبس والإيهام الذي ابتليت به كثيرٌ من هذه الإدارات بردودها المعلبة وشخوص مديريها الوجلين الهائمين في ضبابيات اللفظ والمعنى حتى صار حضورُهم الرسميُّ تبريرًا للقصور وإشادةً بالمنجز وعزفًا على أنغامٍ مملة.
** كنا (عددٌ من البريطانيين وصاحبُكم) نتلقى عن الخبير الإعلامي الكبير «اسمًا وحكمًا» رؤيته لدور المستشار الإعلامي كما مارسه مع قياداتٍ سياسيةٍ عالميةٍ شهيرةٍ عمل معها، يُؤمرون فيَأتمرون وتُحددُ لهم حركاتُهم وسكناتُهم ؛ كيف يظهر الواحد فيهم، متى يحكي، بم يبتدئ، ماذا يقول، ما يلبس، أين يوجه نظراته، أيكون جادًا عابسًا أم مسترخيًا مبتسمًا، كم يأخذ من الوقت: تمهيدًا وعرضًا وتلخيصًا وإجاباتٍ وخاتمة، حتى إذا أتقن دوره انصرفوا خلف الستار يراقبون ويراجعون ويستفتون ويعطون درجاتٍ تقويمية لأداء الرمز ومحصلة انعكاساته.
** أهدى إلينا أحد كتبه وقام صاحبكم بترجمته لكنه لم يطبعه كما لم يوزع مسَوَّدته اتكاءً على حقوق التأليف التي لم يتسنَّ الإذنُ بها لكنه ما يزال يستعيدُ نظرات المستشار ويتخيل طلبته « الصغار» من الزعماء «الكبار» ، ويقارنهم بمن هم في عِيِّ باقل ويحسبون أنهم في فصاحة سحبان فلا يقبلون توجيهًا ولا يرتضون موجهين ؛فلن يطلبوا المشورة قبلًا ولن يستقبلوا المحاكمةَ بعدًا، وكل ما يجدونه من إدارات العلاقات والإعلام إعدادُ كلماتهم وضمان انتشارها مهما كانت صياغتها أو طريقة تقديمها.
** الحقُّ هنا ليس على المسؤول بل على إداراتٍ لا تعي دورها ومديرين لا يجددون مهاراتهم ورؤساءَ مكتفين بالمنافحة عن مواقعهم؛ فالساكن لديهم أهمُّ من المتحرك، والهدوءُ أسلمُ من الضجيج، والبقاء على الحال خير من التطوير والتغيير.
** وفي زمن البيوت الزجاجية والحارة الكونية لم يعد مجالٌ كي يستمرئَ الإداريُّ لعبةَ الاستعلاء؛ فلا حصانةَ له ولا لإدارات علاقاته وإعلامه، وهفوة صغيرة قد تكلفه وجهازَه ثمنًا باهظًا حين لا تنفع المراجعةُ ولا التراجع، والوعيُ يقتضي أن تمارس هذه الأجهزة عملَها الاستشاري ويوضعَ على رأسها من يحق وصفُهم بالخبراء كقامة « جون براند».
** الصورةُ قد تُضِل.