د. عبدالرحمن الشلاش
عندما وقف أحد طلاب المرحلة الثانوية بمحافظة الطائف بثقة عالية ومنطق فريد ليناقش مدير إدارة التعليم في المحافظة لم يجد مدير التعليم وقتها أي كلام مقنع ليجيب به الطالب على تساؤلاته لذلك لجأ لأسلوب التهديد ثم الاستفسار عن الشخص الذي سمح للطالب بالمداخلة، وكأن الطالب قد خرق بهذه المداخلة الجريئة كل حواجز كبرياء المدير التي صنعها لنفسه، أو صنعها له المحيطون به من المنتفعين وطبالي الزفة.
مثل هذا السلوك يصنعه المسؤول وربما يصنع له بحيث يعيش وكأنه في برج عاجي يعيش حالة انفصال تامة عن الجمهور بما فيهم من مراجعين ومرؤوسين ومستفيدين. في حالة مدير تعليم الطائف ربما ظهرت الصورة مصغرة كون مدير تعليم في محافظة يُعتبر من قيادات المستويات التنفيذية، أو بمعنى آخر من مديري الإدارة الوسطى، وبالتالي ليس هناك أي مبرر كي يضع بينه وبين الجمهور أي حواجز لأن طبيعة عمله ميدانية تقتضي أن يزور المدارس ويجتمع بمديريها ومعلميها وطلابها وأولياء الأمور، ويتفقد الواقع التعليمي ويرد على الاستفسارات، ويقدم التسهيلات ويحل المشكلات الطارئة، لا أن يضع حواجز، ويقفل بابه، ويرفض الإجابة على الأسئلة وبهذا الأسلوب غير المقبول في المملكة العربية السعودية يحسدنا كثيرون على رحابة صدور قيادات هذه البلاد، وفتحهم لمجالسهم ليستقبلوا بها كل صاحب حاجة أو مظلمة أو شكوى، وأذكر أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - يحفظه الله - كان يضع تنويهاً ينشر في وسائل الإعلام عندما يكون منشغلاً. يفيد هذه التنويه مثلاً بتأجيل مجلسه الأسبوعي على أن يتم في الأسبوع القادم.
المجالس التي يستقبل بها حكام هذه البلاد أبناء الشعب نهج درجوا عليه. تجد أيضاً أمراء المناطق والوزراء لديهم مجالس مستمرة لاستقبال الناس.
قد يحدث تجاوزات لكنها محدودة، بل إننا في الفترة الحالية وجدنا بعض الأمراء وكذلك الوزراء يتخلون عن بشوتهم خصوصاً أثناء حضورهم لورش العمل، أو تأديتهم لمهامهم أو في زياراتهم التفقدية، وجولاتهم ذات الطابع العملي البحت. قد يأتي المراجع في بعض الحالات فيمنع من مقابلة المسؤول تحت ذرائع منها أنه مشغول، أو في اجتماع أو أنه غير موجود فيظل المراجع رايح جاي ليضيع وقته دون أن يتمكن من مقابلة المسؤول.
هذه الحواجز التي توضع أمام الجمهور كي لا يقابلوا المسؤول من يصنعها؟ هل هي بتعليمات من سعادته أبلغها لمدير مكتبه فأوعز للسكرتير أن يمنع الناس من الدخول؟ وبالتالي يختلق الأعذار لإبعادهم؟ أم أنها بمبادرة من موظفي المكتب؟ أم أن هؤلاء الموظفين يوحون للمسؤول أن لا يستقبل أحداً، وأن يتم تحويلهم للمساعدين والذين لا يملكون من الصلاحيات شيئاً؟
هناك حلقة مفقودة بين بعض المسؤولين والناس ربما بسبب موظفي المكتب هؤلاء الذين يظهرون أمام رئيسهم وكأنهم ملائكة وبقدرتهم وبراعتهم في التملُّق لا يراهم سيادة الرئيس إلا بهذه الصورة المثالية، بينما يظهرون أمام الناس بوجوه مكفهرة وبتعامل غير جيد، لكل واحد منهم وجهان.. وجه جميل أمام رئيسه، وآخر غير جميل أمام الناس.. وهذا ربما وقع في حادثة الطائف، فمن يُحاسب هؤلاء؟