د. عبدالرحمن الشلاش
لا تستغرب أبداً من شخص قفز فجأة من ميادين التفحيط إلى كرسي الوعظ مباشرة عندما يردد مفردات بذيئة وساقطة خادشة للحياء وناسفة للقيم والمبادئ النبيلة، فهذا مثل كثيرين جاؤوا من بيئات مترعة بالجهل وقلة الوعي يرددون ساقط الكلام وبذيئه بطريقة اعتيادية، فهو لغتهم الدارجة المألوفة ومن باب التفاخر يتبادلون أكثر الكلمات سقوطاً. يتبارون في هذا المضمار الساقط. ومثلهم من كان يتعاطى المخدرات ووجد نفسه بسرعة الصاروخ داعية منبري يحيط به الأتباع من الشباب الصغار وتستضيفه المخيمات الوعظية وتوجه له الدعوات من مؤسسات غير رسمية ومراكز صيفية وشتوية كي يملؤوا برامجها بأي شيء حتى ولو كان إسفافاً يهدف لإضحاك الشباب من أجل الحصول على شعبية جارفة.
مثل هؤلاء امتلأت بهم الساحة في ظل غياب أو انشغال أهل الدعوة الحقيقيين من العلماء الكبار الذين يزنون الكلام قبل أن يغادر أفواههم لأنهم يقدسون رسالة الإسلام السامية ويحسبون لعواقب الأمور مليون حساب، ويعرفون أنه: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، لذلك فهم يطبقون تعاليم الدين ويحترمون الجالسين أمامهم. تتسم مواعظهم بالروحانية التي تلامس شغاف القلوب، ويستدلون على ما يطرحون بأدلة صريحة من القرآن الكريم والسنة النبوية، ومن أقوال أهل العلم السابقين والمعاصرين في طرح علمي لا إسفاف فيه ولا سقوط مخل بالقيم وخادش للحياء. لم يكن بين هؤلاء من يبحث عن شهرة أو مجد شخصي أو مركز وظيفي لذلك أحبهم العقلاء من الناس وقربهم حكام هذه البلاد المباركة ليستنيروا بعلمهم الشرعي في كل ما من شأنه إصلاح أحوال الناس، وتبصيرهم بأمور دينهم.
للأسف شهدت ميادين الدعوة انحرافاً واضحاً عن منهج الإسلام وما درج عليه علماء هذه البلاد وذلك من بدايات مرحلة ما سمي بالصحوة الإسلامية، فقد أدخل بعض الوعاظ آنذاك النكتة وبعض المسرحيات الهزلية لاستمالة الناس، والحق أن أولئك الدعاة ومنهم كثر متواجدين الآن في الساحة الدعوية لم يتجاوزا التهريج والتنكيت المقبول، فلم يستخدموا الكلمات البذيئة والساقطة ولم يوظفوها في رسائلهم المبسطة للناس.
كان هدفهم كسر جمود الوعظ الروحاني الصارم والذي لا يترك أثراً بالغاً لدى البعض، لذا عمرت تلك الفترة بوعاظ من هذه النوعية أدى تواجدهم لتقاطر جموع غفيرة من الجماهير في أجواء تتمازج فيها الروحانيات مع مشاعر الفرح والسرور والترويح وتعلوها الضحكات وهو ما أدى لتعلق الشباب الجديد بتلك المجالس.
للأسف اليوم من يعتلي منابر الدعوة أغلبهم من الجيل الجديد، وهو جيل من سماته الجهل بالعلم الشرعي، وسلوكياتهم شوارعية، ودخل معهم في المضمار بعض الدكاترة من المهووسين بكثرة الأتباع وزيادة أعدادهم والبقاء في دائرة الأضواء والاهتمام. يردد هؤلاء كلمات تخدش الذوق والحياء ولا تقبلها العقول السليمة. أغلبها كلمات تأخذ المنحى الشهواني والجنسي حيث تركز على ما يعانيه الشباب من جفاف في هذا الجانب وخاصة العزاب منهم، ورغم ما في هذا الطرح الرخيص من شذوذ فاضح إلا أن لا أحد ينكر عليهم ويحاسبهم، وأستغرب من وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السكوت على هؤلاء وتركهم يسرحون ويمرحون في وقت نحن جميعاً بحاجة لتدخلها العاجل لإيقاف هذا العبث.