د. عبدالرحمن الشلاش
لعلها من المبشرات أن يكون معالي الدكتور أحمد العيسى المعيَّن قبل أيام وبأمر ملكي كريم وزيراً للتعليم في المملكة العربية السعودية أحد أبناء التعليم طالباً ثم مشتغلاً في أكثر من موقع تعليمي، ثم مُنظِّراً في التعليم عن طريق كتبه وكتاباته الصحفية, ولقاءاته التلفزيونية، ومشاركاته المجتمعية.
أقول إن هذا الاختيار من القيادة الحكيمة يبشر - بإذن الله - بمستقبل مشرق للتعليم في بلادنا، والسبب أن الدكتور العيسى إضافة إلى رصيده النظري من خلال طرحه المتواصل يملك خبرة ثرية في العمل التعليمي بشقيه الحكومي والأهلي، وبالتالي لديه رؤية واضحة حول واقع التعليم، وما يعانيه من مشكلات باتت مزمنة, ومشكلات أخرى متجددة. مشكلات متنوعة تمس القيادات التعليمية ومدى كفاءتها, والمعلمين والمعلمات وسبل الارتقاء بمكانتهم وهيبتهم المنهارة, والقضاء على ما يواجهونه من صعوبات وعقبات, والطلاب وتلبية ما يرغبونه, والمناهج والبيئات المدرسية غير الملائمة إلى آخر القائمة الطويلة من مشكلات تنتظر حلولاً عملية عاجلة. لعل ابن التعليم القادم من نفس الوسط يكون الأقدر على تشخيص واقعه وحل مشكلاته وتطويره وبما يحقق طموح القيادة الرشيدة والشعب الكريم.
من قراءة لفكر الوزير الجديد نجد أنه يملك رؤية تطويرية لوضع التعليم السعودي في المسار الصحيح من خلال إصلاح شامل لمكونات العمل التعليمي, في محاولة لتقديم تعليم نوعي, فقد سئم المجتمع بكافة مؤسساته وشرائحه من المخرجات الكمية, إذ دفعت المؤسسات وبخاصة التعليم العالي بمخرجات غزيرة لكنها ضعيفة وفي تخصصات الحاجة إليها غير قائمة مما أدى إلى تكدس الخريجين وزيادة نسبة البطالة في وقت ما زال الوطن بحاجة لتخصصات أكثر طلباً في سوق العمل السعودي. هذا الهدر انعكست نتائجه السلبية على ميزانية الدولة من جهة, ومن جهة أخرى أدت إلى تعطيل الكوادر البشرية فكثير من الخريجين لم يجدوا وظائف، وخسرت التنمية سواعد لعدم توافر وظائف ملائمة لتخصصاتها.
أمام الوزير العيسى ملفات ضخمة تحتاج لحلول سريعة, وهو أهل لمعالجتها لكن الأمر يحتاج لوقت، وهذا يعني أن الرجل يحتاج الفرصة كاملة للعمل في جو من الهدوء وعدم التسرع في النقد وإطلاق الأحكام بعاطفة متعجلة تنسف الجهود ولا تفيد العمل بشيء, ويحتاج للدعم غير المحدود لتنفيذ مشروعات تصب في مصلحة التعليم على المدى الطويل.
رغم كثرة المطالب وتشعُّب المشكلات إلا أن أكبر تحدٍ سيواجه معاليه من وجهة نظري إيجاد البيئة التعليمية الجاذبة للطلاب ولو على المدى الطويل, فالطلاب ما زالوا يكرهون المدارس, لذلك تجدهم يهللون عند قدوم الإجازات, بل ويتمنون الغبار والمطر والأعاصير رغبة في أي فرصة توقف بسببها الدراسة, فهل يتمكن فريق العمل في وزارة التعليم تحت قيادته من تحويل المعادلة ليصبح الذهاب للمدرسة بالنسبة للطلاب أفضل من الجلوس في البيت؟
وعلى مستوى التعليم العالي هل ستشهد المرحلة القادمة استقلالية للجامعات في قراراتها التعليمية تحت الإشراف غير المباشر للوزارة, ودعماً للتعليم الجامعي الأهلي ليكون رافداً قوياً للتعليم الحكومي, وفك قيود المنح الداخلية للطلاب والطالبات والتي تُشكّل دعامة قوية لهم لمواصلة تعليمهم؟