محمد آل الشيخ
قرار مجلس الأمن الذي صدر الأسبوع الماضي رقم 2254 حول الإرهاب وتجفيف منابع تمويله وملاحقته أينما كان إرهابيوه، من شأنه في تقديري أن يزيد من لهيب الإرهاب وانتشاره وانخراط كثير من الشباب السني في أجوائه.
فمن الواضح لكل متابع أنه جرى ضمنيا تبرئة الإرهاب الصفوي الشيعي، وتم غض النظر عنه، وعن جرائمه التاريخية، وألقى المجتمعون بأصابع الاتهام جلية واضحة إلى (داعش) والقاعدة دون بقية الفصائل الصفوية الإيرانية، التي تمولها إيران، سواء حزب الله اللبناني، أو تلك التي صنعتها إيران في العراق وعلى رأسها (عصائب أهل الحق) التي تحارب في سوريا الآن بجانب النظام السوري والقوات الإيرانية المحاربة هناك؛ لذلك رأى كثير من أهل السنة هذا الموقف المنحاز وغير العادل والمجامل لإيران، دليلا على أن المستهدف هو الإسلام السني على وجه الخصوص، أي ما يوازي 80 % من المسلمين في العالم، سيما وأننا لو عدنا إلى ما جرى في العراق بعد الاجتياح العسكري واحتلال العراق من قبل الأمريكيين عام 2003، لوجدنا أن الأمريكيين تعمدوا تسليم هذه الدولة العربية إلى الأحزاب الشيعية الصفوية الموالية لإيران، وهذه الأحزاب بدورها ارتمت في أحضان ملالي الفرس، وأصبحت طهران هي الآمر الناهي في العراق، وحين انسحب الأمريكيون من العراق، حلّ محلهم الإيرانيون؛ أي أن العراق دولة محتلة منزوعة السيادة عمليا بعد احتلالها من قبل الأمريكيين والآن بعد احتلالها من قبل الإيرانيين. وليس لدي أدنى شك أن داعش حينما اقتحمت العراق واحتلت الموصل بتراخ من أهل السنة، وانتمى إليها بعد اجتياحها كثير من أبناء العشائر السنية، كان سببه الأول أن الأمريكيين قضوا على نظام البعث، وسلموا العراق إلى مناوئي هذا الحزب الشيعة الصفويون العراقيون، الذين يذعنون لإيران إذعان الأرقاء لسادتهم.
قرار مجلس الأمن الأخير وتبرئة الميليشيات الإيرانية من الإرهاب، وحصره في فصائل أهل السنة فقط، جاء ليؤكد هذه المقولة أو التهمة المتداولة, ومؤداها أن الأمريكيين كانوا بتسليمهم العراق لإيران على طبق من ذهب، ومن ثم حصر الإرهاب في الميليشيات السنية وليس الصفوية، هي حركة مقصودة ومتعمده ولم تأت من باب الصدفة، سببها على ما يبدو أنهم ما زالوا يتعاملون مع الإرهاب تحت تأثير عملية 11 سبتمبر الإرهابية، التي أحدثت جرحا غائرا في الكبرياء الأمريكية، الأمر الذي جعلهم يعالجون الإرهاب والإرهابيين بهذه العقلية الانتقامية والبعيدة كل البعد عن العقلانية والموضوعية. وإلا فليضع الأمريكيون أمامنا مبررا مقنعا لهذا الانحياز الفاضح إلى الإيرانيين وتبرئة ميليشياتهم من الإرهاب، مع أن هذه الميليشيات هي الوجه الآخر للإرهاب والمقابل للإرهاب السني، ولو سألت أي طفل في لبنان مثلا عن الإرهاب لأشار إلى حزب الله، الذي هو بكل المقاييس إحدى وسائل إيران في تفيذ عملياتها الإرهابية، ولعل أهمها اغتيال الرئيس الحريري رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، وهذه التهمة - بالمناسبة - ليست موجهة من أجهزة أمن إحدى الدول العربية، وإنما من محكمة دولية، تحظى بمشروعية أممية، وكما هو معروف رفض حزب الله تسليم المتهمين من كوادره لمحاكمتهم. وكل من اعتقد أن هذا القرار الأممي الذي صدر الأسبوع الماضي سيحل مشكلة العالم مع الإرهاب فهو واهم، فقرار منحاز كهذا من شأنه أن يصب مزيدا من الزيت على الإرهاب المستعر في كثير من البلدان العربية والدول الغربية أيضا. وأنا هنا لا أدافع عن داعش والقاعدة فهما بكل تأكيد حركتان إرهابيتان ولكنني أرفض الكيل بمكيالين، وتغاضي هذا القرار عن الإرهاب الإيراني عبر طوابير الصفويين الشيعة هو أوضح من الشمس في رابعة النهار، ودونما تبرير.
لذلك، وأقولها بملء فمي، أن الإرهاب بعد هذا القرار المنحاز سيستقطب كثيرا من الشباب المحتقنين السنة، ضد الغرب، وسيتجذر الإرهاب بدلا من أن ينتهي.
إلى اللقاء.