إبراهيم عبدالله العمار
نستمر في سلسلة «ملوك الماضي يحسدوننا» التي نقارن فيها بين حالنا اليوم وحال الأسبقين وكيف أن لدينا من النعم والتيسير ما ل م يكن عند أعظم ملوك الأرض في السابق، واليوم نبدأ باكراً جداً، منذ مرحلة مبكرة في طفولتنا، عندما كنا رُضّعاً لم يتجاوز عمرنا أسابيع معدودة، وصرخنا باكين بسبب الإبرة.. إبرة التطعيم.
من نعم الله علينا في هذا العصر التي لم يكن للأقدمين نصيب منها هي الصحة منذ بدء العمر، فالإنسان منذ أن يولد وهو معرض للأمراض والأوبئة بسبب ضعفه وصغره، ولم يكن لديهم تطعيم كما لدينا اليوم، فهذه الإبرة التي يبكي منها الرضيع هي التي تحميه -بإذن الله- من أمراض مثل الدرن والتهاب الكبد وأنواع من البكتيريا والفيروسات وشلل الأطفال والكثير غيرها، وهي كانت هواجيس لدى الأسبقين سلبت منهم أطفالهم بعد أيام أو أشهر من ولادتهم.
تتعب المرأة في الحمل تسعة أشهر، وتعاني آلام المخاض والولادة، حتى إذا رأت ثمرة الحب والألم وحملته بين يديها انتزعه منها مرض قاتل.
وعطفاً على العنوان فهي فعلاً نعمة يحسدنا عليها ملوك الماضي، فقد كان الفراعنة والسلاطين والملوك يموت الكثير من أطفالهم بعد ولادتهم ويعجزون عن إنقاذهم، ولا تنفعهم سلطتهم ولا مالهم.
موضوع اليوم عن الوقاية الصحية، وهي نعمة عظيمة من الله لنا اليوم، تعودنا عليها حتى صرنا لا نلاحظها، ولا ندري أن الأسبقين كانوا يرون الأمراض التي تفتك بالرضع هاجساً يتوجسون منه، خاصة أن الأطفال -آنذاك- كانوا هم الأمل للأهل أكثر من اليوم، لشدة اعتماد القبائل على الكثرة ونفع الأولاد آبائهم، بل إن الوقاية تبدأ حتى قبل الولادة، فالأجهزة الطبية اليوم تستطيع أن تكشف إذا ما كان الجنين يعاني مرضاً أو نقصاً، وبناءً على الصور والتحاليل يستطيع الطب -بإذن الله- أن ينقذ حياته، وذلك بتناول الأم لأدوية أو مكملات غذائية، بدونها يولد الطفل ضعيفاً أو مشوهاً أو حتى متوفى، بل إذا كانت الحالة ضرورية -كبعض مشاكل العمود الفقري- فيمكن إجراء عملية جراحية للجنين ثم يكمل وقته في بطن أمه.
وغير التطعيم فهناك عامل آخر في الوقاية الصحية نعرفه بسبب العلم وهو التعقيم.
الصابون والمعقمات نعمة ضخمة! كتعقيم الأدوات الطبية قبل استخدامها، وكذلك الآنية وغسل اليدين قبل الأكل وتطهير أي أدوات قبل التعامل المباشر معها. هل تظن هذا شيئاً بسيطاً؟ إن عدم غسل اليدين قبل الأكل وقبل العمليات الجراحية وقبل إعداد الطعام قد قتل مئات الملايين من البشر! عندما لم يغسل العاملون في الطب أيديهم أو أدواتهم أدى هذا إلى العدوى التي توفي بسببها الجرحى والمرضى، بل حتى اليوم فإن الذين لا يغسلون أيديهم -خاصة الأطفال في المناطق الموبوءة- يعانون الأمراض والوفيات، ويموت كل سنة قرابة مليوني طفل دون الخامسة من أمراض معوية أو مرض ذات الرئة، أكبر قاتلين للأطفال، ومجرد غسل اليدين بالماء والصابون ينقذ الكثير منهم -بإذن الله-.
سواء عمليات جراحية معقدة أو مجرد غسل اليدين، الوقاية من الأمراض نعمة لم يقدر عليها أعظم ملوك الأرض في السابق، فالحمد لله عليها.