د.ثريا العريض
حتى قبل أن يصل برنامج التحول الوطني لصيغته النهائية ويعلن بكل التفاصيل، ما استمعنا إليه من كلمة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد ورئيس المجلس الأعلى للاقتصاد والتنمية كان واضحًا بما يكفي لتفهم الوجهة والإستراتيجية الاقتصادية والتنموية للوطن بكل مؤسساته للمرحلة القادمة. ثم في الحوار مع الوزراء بعد استعراض مرئياتهم جاء ما يضيء المزيد من التفاصيل الخاصة بمشروعات كل وزارة، ومؤشرات الأداء التي ستستخدم لقياس مدى تحقق ما وعدت نفسها ووعدتنا به.
لذا لن أدخل في كل التفاصيل التي غطتها ورشة عمل استمرت لساعات عديدة وضمت مسؤولين وخبراء من كل جهات التخصص المعنية حيث لا تتسع لها مساحة مقالة، ومن الأفضل أن يأتي التفاعل مع الوثيقة بعد أن تصدر بصورتها النهائية رسميًا. ولكني سأشارككم ببعض ما وجدته جديدًا وذا أهمية خاصة في توضيح أن التحول مدروس ومقرر وقادم وبقوة.
لعل أول ما لاحظته هو تأثير الحضور القوي والواثق لسمو الأمير ودخوله المباشر فيما اجتمعنا لأجله. وبولوجه مباشرة في صلب الموضوع فرض حالة الجدية والاستنفار للتفكير بكل تفاصيل الموضوع الذي استعرضه بسلاسة ووضوح ليوصلنا إلى ما اجتمعنا لأجله كمطلوب من الجميع. لم يكن اللقاء لتسويق فكرة التحول، ولا لمعرفة موافقة أو عدم موافقة المجتمعين على توجه التحول، فهو قرار مفروغ منه. كان المطلوب المشاركة في تفاصيل القرار بما سيضمن نجاح المبادرات المقترحة التي وضعت قاعدتها لأحداثه ونجاحه.
أعمدة الاقتصاد الثلاثة هي القطاع الحكومي والقطاع الخاص والمجتمع الذي توفر نشاطاته الفردية والتطوعية المصدر الثالث من احتياجات الاقتصاد. وقد ظل القطاع العام يستوعب ويقدم احتياجات الجميع من فرص التوظيف والدعم المادي والخدمي للتعليم والصحة والتدريب، ولكن في وضع انخفاض الدخل من الريع شبه الوحيد، لا بد من تغيير تفاصيل معادلة تلقي الدعم، والمشاركة الفعالة في استدامة بناء واستقرار الوطن اقتصاديًا واجتماعيًا. ولا بد من مشاركة كل المعنيين والتنسيق العام والتأكَّد من المخرجات وتحقيق المأمول ليس كل خمس سنوات بل كل ربع عام.
أكَّد سمو الأمير أن الأولوية هي استمرارية بناء الوطن وقيام مؤسساته الرسمية بخدمة المواطن البسيط والمحدود الدخل، ووضح أن دعم الخدمات لهذه الفئة لن يتأثر، بينما سترتفع مشاركة فئة ذوي الدخل الأعلى في تحمل مسؤولية خفض الإنفاق، وتوفير دعم المزيد للصرف على المتطلبات الرئيسة. من ذلك مثلاً قصر الدعم الحكومي للكهرباء والماء على أصحاب الدخل المتوسط فما دون بينما سيتم إيقافه عن فئة أصحاب الدخل العالي كالتجار وملاك القصور المزارع. وأن مشروعات الدولة لن تتوقف وسيستمر العمل على اتمامها ولكن المشروعات الجديدة ستدرس من حيث أولويتها زمنيًا. وأن التركيز سيكون على توليد روافد جديدة للدخل الفردي والعام، ستولد من شتى المصادر الممكنة المعتادة والجديدة. منها على المدى الأبعد التحول للمجتمع المعرفي والمؤهل للإنتاج عبر التحول للمهارات العملية، وتغيير نمط الاستهلاك. وعلى المدى القريب تشجيع الاستثمار الداخلي، وريادة الأعمال، وزيادة الصادرات والمبيعات للخارج من مستخرجات المناجم السعودية من المعادن، وفرض رسوم أعلى على السلع الاستهلاكية المستوردة التي تدخل ضمن المواد «الترفية»، وعلى رأسها ما يجب حماية المواطن منه كالتبغ والدخان حيث سترفع الرسوم والأسعار. ويبقى توفير الخدمات الأساسية للجميع كالصحة والتعليم والتدريب والإسكان والترفيه، مع مساهمة القطاع الخاص بوعي مخلص لمسؤوليته الاجتماعية.
وبهذا فالبرنامج المرسوم للتحول الوطني هو للتحول إلى اقتصاد يدعم نفسه من الداخل، مقللاً الاعتماد على الصرف الحكومي من المصدر الريعي وهو النفط الذي تتحكم فيه عوامل السوق الخارجية للطاقة وما يستجد من البدائل عالميًا. وهو أيضًا يتطلب تغيير التوجه العام من الصيغة الإتكالية، التي تفترض أن من يحتاج ومن لا يحتاج من المواطنين للدعم الحكومي سيظل يحصل عليه تحت مظلة شاملة لكل الفئات.
أما ما استعرضه الوزراء من المبادرات المقترحة فسأعود له في حوار قادم.