د.ثريا العريض
في الأروقة المحيطة بصالة الاجتماعات في الديوان، حيث عقدت القمة الخليجية قبل أيام سنحت فرصة الالتقاء المباشر فردياً مع العديد من المسؤولين والوزراء وتبادل المرئيات في حوارات أخوية سريعة.
انطباعي بعدها أننا نرى انبلاج فجر ما.. وأن هناك جواً جديداً يتسم بالجدية واتفاق الرؤية بضرورة العمل السريع لإنجاز المطلوب، وأن الوقت لم يعد يسمح بترف مطاطية التعامل مع المهمات التي حملها التكليف السامي على عواتقهم بمؤشرات تقتصر على الخطابية الإنشائية.
هذا انطباع يحمل تفاؤلاً لا يشعر به الأغلبية بعد.. ولكنه مستحق.
وزير الشئون الاجتماعية يحمل مسؤولية إيجاد حلول رسمية لفئة الضعفاء ممن لا قدرة لهم على إيجاد حلول لمعاناتهم الفردية. وهو يعترف بأنها مسؤولية صعبة وتحد واضح، ويحمل التزاماً ذاتياً بتعديل الأوضاع عبر وزارته لصالح المواطنين ذوي المعاناة. وقد بدأ بأول الخطوات.
وزير الصحة يحمل مسؤولية متعددة ومترامية أثقلت ظهور من سبقه، إن لم تعجزهم.. أتفاءل بأن خبرته الإدارية التنفيذية في مؤسسة كبيرة ومترامية ومتعددة الجوانب كأرامكو السعودية، تترك مجالاً أن نأمل معه في إيجاد حلول لكل المتراكم في هذه الوزارة من قصور في الخدمات يعينه له على مواجهة التحديات المترامية.
وزير التجارة والصناعة له منجزات واضحة في منع التلاعب بالأسعار والجودة في طغيان توجه الربحية وانعدام الحس بالمسؤولية لدى بعض التجار. ولذا يحبه رجل الشارع المستهلك الذي يقيم الأمور بمقياس راتبه وفواتيره الشهرية. وللوزير الكاريزماتي باع مشهود في حماية المستهلك.
انجلاء الصورة الكلية ولحظة اليقين الصراح جاءت حين وقفت للحظات بالصدفة مع وزير التعليم ومسؤول في وزارة الداخلية. قلت هنا بينكما منطقة المسؤولية التي تبني أساسات الوطن المستدام الارتقاء. بناء الإنسان القادر السوي المؤهل وحمايته من أي خطر يتهدده. بعد جيل كامل من نتاج تلاقح الطفرة بالصحوة وتشويه الوعي بتزايد الإنجاب وهشاشة الأسر وتصدع المجتمع، وانتهينا نواجه ثقافة اتكال وعطالة وبطالة وتشدد وعنف وصل إلى حد تنظيم الإرهاب والتوحش.
جيل ابتدأ التلاعب بعقله ومعلوماته وتوجهاته، بالقولبة واختطاف التعليم منذ منتصف السبعينات، أصبح الآن جيل الآباء والأمهات لأطفال لابد من إنقاذهم من مصير مماثل أو أسوأ بفاعلية المخدرات والتدعشن.
ولابد من تنسيق ثلاثي مركز لوقف التسميم: الأمن درعنا لوقف الجرائم الناتجة حتى غير المخطط لها، والتعليم سلاحنا لوقف المزيد من التشويه، والتدريب والتخصص دربنا للتحرر من ربقة الاستهلاك.
وزيرا العمل والخدمة المهنية يواجهان معاً مسؤولية القضاء على انفلات التوأمين السيامين: تمدد الاتكال على العمالة المستقدمة، واستشراء البطالة والعطالة.. وسيتحقق ذلك إلا إذا استطاعا مقارعة ثقافة الإتكالية ووضع الإجراءات الحاسمة لمنعها وأولها توطين المهارات والوظائف. فالتحدي العظيم الذي ما زلنا نراه ونؤكده ما زال ضرورة الانتقال من الدولة الريعية المعتمدة على ثروة ناضبة من النفط الإحفوري إلى دولة متنوعة مصادر الدخل.. حلم ندور حوله ونتلكأ.. نحتاج إستراتيجية للوصول لتحقيقه وتضمينها خططنا التنموية والاقتصاد.
وتبقى أم المعارك وأعوص التحديات؛ مكافحة الفساد، ليس فقط الاختلاسات الصغيرة والرشاوي، بل أيضا المآسي القاتلة في المشاريع المضروبة، والأحكام المقلوبة؛ حيث لم نقض بعد على الفضائح والروائح التي تنكشف كلما استجدت سيول عاصفة ممطرة أو قضية تفاصيلها مستترة أمام القضاء.
الوزراء المسؤولون التنفيذيون يحملون مسؤولية التنسيق معاً لتصحيح بناء صرح الوطن واستدامة سلامة أدائه ورضى أبنائه. والمسؤولية هي تحديات فردية وجماعية أمامهم.. وقد انحسر زمن الخطابيات إلى زمن العمل الذي يتكلم بالنتائج ويثبت بمؤشرات الأداء. ويبقى في بالي تحد مهم يواجههم كلهم وهو تمكين المرأة لتحقيق مساهمة النصف الثاني بكفاءة في بناء الوطن وإدارة مسيرته اقتصادياً واجتماعياً.
أدعو لهم جميعاً بالتوفيق والنجاح في امتحان الأداء.